شاذّ من جهة التصدير بإذا ، وإنّما جعلوا شذوذه من جهة رفع السيي خاصّة ، انتهى.
قال ابن مالك : أو مصدّرة بكلّما في حديث كما في حديث البخاري (١) فجعل كلّما جاء ليخرج رمي في فيه بحجر (٢). قال في التوضيح : وهذا منبه على أصل متروك ، وذلك أنّ سائر أفعال المقاربة مثل كان في الدخول على مبتدإ وخبره ، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفردا وجملة اسميّة وفعلية وظرفا ، فترك الأصل والتزم كون الخبري مضارعا ، ثمّ نبّه على الأصل شذوذا في مواضع ، انتهى.
وعلى هذا فلا يحسن أن يقال في البيتين : والمثل على أنّه ممّا حذف فيه الخبر كما قاله ابن هشام ، إلا انتفي الغرض المذكور مع أنّ التقدير خلاف الظاهر.
تنبيه : يشترط في الفعل المشتمل عليه جملة الخبر أن يكون رافعا لضمير الاسم ، وهو من الأحكام الّتي اختصّت به أخبار هذه الأفعال ، وذلك لأنّها إنّما جاءت لتدلّ على قرب الخبر من الاسم أو ترجّي حصوله أو شروع اسمها في خبرها كما مرّ ، فلا بدّ من ضمير يعود عليه ، وأمّا قوله [من الطويل] :
٢٠٩ ـ وأبكيه حتى كاد ممّا أبثّه |
|
تكلّمني أحجار وملاعبه (٣) |
فشاذّ ، أو مؤوّل بأنّ أحجاره بدل من الاسم. ويجوز في خبر عسى خاصّة أن يرفع الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير يعود على اسمها كقول الفرزدق [من الطويل] :
٢١٠ ـ وما ذا عسى الحجّاج يبلغ جهده |
|
إذا نحن جاوزنا حفير زياد (٤) |
«ويغلب في خبر» الفعلين «الأولين» وهما كاد وكرب «تجرّده عن» أن المصدرية ، نحو قوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة / ٧١] ، وقوله الشاعر [من الطويل] :
٢١١ ـ سقاني جزاه الله خير جزائه |
|
وقد كربت أسباب قلبي تقطع (٥) |
وذلك لأنّهما يدلّان على شدّة مقاربة الفعل ومداومته وذلك يقرب من الشروع في الفعل والأخذ فيه ، فلم يناسب خبرهما أن يقترن غالبا بأن الموضوعة للاستقبال ، ويقلّ اقترانه بها نظرا إلى الأصل كقوله [من الطويل] :
٢١٢ ـ أبيتم قبول السلم منّا فكدتمو |
|
لدي الحرب أنّ تغنوا السّيوف عن السّلّ (٦) |
__________________
(١) البخاري (أبو عبد الله محمد) (ت ٢٥٦ ه ٨٧٠ م) من كبار المحدثين ، ولد في بخاري اشتهر بكتابه «الجامع الصحيح» المصدر السابق ص ١١٥.
(٢) صحيح البخاري ، ٢ / ١٢٨ ، رقم ٣٣٦.
(٣) البيت لذي الرمة ، وفي شرح ابيات سيبويه «وأسقيه حتى ...».
(٤) اللغة : الحفير : القبر.
(٥) لم أجد البيت.
(٦) لم يسم قائله. اللغة : السلّ : الانتزاع.