وقوله [من الطويل] :
٢١٣ ـ سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظّما |
|
وقد كربت أعناقها أن تقطعا (١) |
وخصّ المقاربة اقتران خبر كاد بالضرورة. وقال البدر الدمامينيّ في شرح التسهيل ، ولم يذكر سيبويه في خبرها إلا التجريد ، انتهى. قلت : وليس كذلك ، بل هو قائل باقتران خبر كاد ، وذلك أنّه قال في قوله [من الطويل] :
٢١٤ ـ ... |
|
ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله (٢) |
إنّ الأصل أن افعله ، فاضمرت أن ، فإذا كان يقول باقترانه تقديرا ، فلأن يقول : باقترانه صريحا أولى ، والّذي ذكر ابن هشام وغيره أنّ الّذي لم يذكر سيبويه في خبره إلا التجرّد ، وهو كرب ، قال : وهو مردود بالسماع. وقال المبرّد في «أفعله» في المصراع المذكور : الأصل «أفعلها» فحذفت الألف ، ونقلت حركة الهاء إلى ما قبلها. قال ابن هشام : وهو أولى من قول سيبويه ، لأنّه أضمر أن في موضع حقّها أن لا يدخل فيه صريحا ، وهو خبر كاد ، واعتدّ بها مع ذلك بإبقاء عملها ، انتهى.
ويغلب في خبر فعلين «الأوسطين» وهما عسى وأوشك «اقترانه بها» ، أي بأن ، «نحو قوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) [الإسراء / ٨]» ، وقوله الشاعر [من الطويل] :
٢١٥ ـ ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا |
|
إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (٣) |
وذلك لأنّ عسى من أفعال التّرجّي ، وهو مختصّ بالاستقبال ، فناسب اقتران خبرها بأن الموضوعة له ، وكان القياس وجوب ذلك ، حتى ذهب البصريّون والجمهور إلى أنّ التجريد ضرورة ، وأما أوشك فإنّما يغلب معها الاقتران حيث جعلت للترجّي أختا لعسى. قال الشاطبيّ (٤) : والصحيح ما ذكر الشلوبين وتلامذته ابن الضايع والأبذيّ (٥) وابن أبي الربيع ، أنّ أوشك من قسم عسى الّذي هو للرّجاء. قال ابن الضائع : والدليل على ذلك أنّك تقول : زيد عسى أن يحجّ ، ويوشك زيد أن يحجّ ولم يخرج من بلده ، و
__________________
(١) البيت لأبي يزيد الأسلمي ، اللغة : الأحلام : جمع حلم بمعنى العقل والاناة ، سجلا : الدلو مادام فيها ماء.
(٢) صدره «فلم أر مثلها خباسبة واحد» ، وهو لامري القيس ، أو لعامر بن جؤين. اللغة : الخباسبة : المغنم ، الغنيمة ، نهنهت : زجرت وكفقت.
(٣) هذا البيت أنشده ثعلب عن ابن الإعرابي ، ولم ينسبه إلى أحد.
(٤) القاسم بن فيرة الشاطبي النحوي الضرير كان إماما فاضلا في النحو والقراءات والتفسير والحديث ، صنف : القصيدة المشهورة في القراءات ، مات سنة ٥٩٠ ، بغية الوعاة ٢ / ٢٦٠.
(٥) هناك نحويّان باسم الأبذي : الأوّل : على بن محمد ، كان نحويّا ذاكرا للخلاف في النحو وقيل هو حدّ النحو في زمانه ، مات سنة ٦٨٠ ه. المصدر السابق ٢ / ١٩٩. والثاني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأبذيّ كان فقيها حافظا ، ذاكرا لللغات والأدب ، نحوّيا ماهرا مات سنة ٦٥٩ ه ، المصدر السابق ١ / ٤٢٤.