التقدير في المثال المذكور قرب زيد من أن يقوم ، ثمّ حذف الجارّ توسّعا أو يجعل الفعل بمعنى قارب ، فلا خلاف ، والمعنى قارب زيد القيام.
والكوفيّون يرون أنّ عسى في ذلك فعل قاصر بمعنى قرب ، وأن والفعل بدل اشتمال من فاعلها ، وردّ بأنّ حينئذ يكون بدلا لازما ، يتوقّف عليه فائدة الكلام ، وليس هذا شأن البدل ، وأجيب بأنّ لا مانع من أن يكون البدل لازما لكونه هو المقصود بالحكم وكونه تابعا لا يقدح في اللزوم ، فقد رأينا بعض التوابع يلزم ، كوصف مجرور ربّ إذا كان ظاهرا. وأجيب عن الإشكال من قبل الجمهور بأمور :
أحدها : أنّه من باب زيد صوم وعدل.
الثاني : أنّه على تقدير مضاف أمّا في الاسم ، نحو : عسى حال زيد أن يخرج ، أو في الخبر ، أي عسى زيد صاحب أن يخرج. قال الرضيّ : وفيه تكلّف ، إذ لم يظهر هذا المضاف إلى اللفظ أبدا لا في الاسم ولا في الخبر (١).
الثالث : أنّ أن زائدة لا مصدريّة ، وليس بشيء ، لأنّها قد نصبت ، ولأنّها لا تسقط إلا قليلا.
الرابع : أنّ المصدر الحاصل في تأويل الوصف ، أي عسى زيد قائما ، ويرجّحه ما جاء في كلامهم عسيت صائما ، وهو يرجع إلى الجواب الأوّل عند الكوفيّين ، لأنّ المصدر المخبر به عندهم بمعنى اسم الفاعل كما مرّ.
الخامس : الفرق بين المصدر وما يؤوّل به ذكره صاحب العباب (٢) ، وارتضاه الشريف الجرجانيّ (٣).
قال ابن هشام في شرح اللمحة : وألطف ما يقال في الجواب ما رأيته بخطّ بعض طلبة ابن مالك ، ونقله عنه ، وهو أن يقدّر الإخبار بالفعل مجرّدا عن أن ، ثمّ لمّا صحّ الإخبار به جئ بأن لتفيد التراخي لا لتفيد السبك ، انتهى.
وأفعال هذا الباب «عسى وأنشأ وكرب» من المذكور وغيرها ممّا لم يذكر جامدة لا تتصرّف «ملازمة للمضيّ» أي لصيغة الماضي ، فلا يستعمل لها مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل ولا مصدر ، واستثني منها أربعة ، وهي كاد وأوشك وطفق وجعل ، فقد جاء : يكاد ويوشك ويطفق ويجعل ، وأمّا كاد فكقوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها
__________________
(١) ولا في الحرف «ح».
(٢) العباب الزاخر في اللغة في عشرين مجلدا للامام حسن بن محمد الصفائي مات سنة ٦٥٠ ه. كشف الظنون ٢ / ١١٢٢.
(٣) على بن محمد الشريف الجرجاني ، كان علّامة دهره ، له تصانيف مفيدة ، منها : التعريفات ، شرح القسم الثالث من المفتاح ، توفّي بشيراز سنة ٣١٦ ه. بغية الوعاة ٢ / ١٩٧.