الكمال ، وزعم بعضهم أنّه اسم جنس موضوع لمفهوم الواجب الوجود لذاته أو المستحقّ للعبودية ، وكلّ منهما كلّيّ انحصر في فرد.
قال العلامة التفتازانيّ (١) في شرح التلخيص : لو كان الأمر على ما زعم ، لما أفاد قولنا ـ لا إله إلا الله ـ التوحيد ، لأنّ المفهوم من حيث هو محتمل للكثرة ، ولا نزاع في أنّ هذه الجملة كلمة توحيد ، وأيضا فالمراد بالإله في هذه الكلمة أمّا المعبود بحقّ ، فيلزم استثناء الشيء من نفسه أو مطلق المعبود ، فيلزم الكذب لكثرة المعبودات الباطلة ، فيجب أن يكون الإله بمعنى المعبود بحقّ ، والله علما للفرد الموجود منه ، والمعنى لا مستحقّ للعبوديّة في الوجود أو لا موجود واجب إلا الفرد الّذى هو خالق العالم ، انتهى.
لكن قال عصام الدين (٢) في شرحه على التلخيص : ـ وفيه بحث ـ لأنّ الله إذا كان علما للفرد الموجود منه ، لم يكن حاصلا في عقولنا إلا بمفهوم الواجب لذاته والمتّصف به محتمل لمتعدّد كالإله بحقّ ، فلا يحصل باستثنائه اثبات ما هو المطلوب بالاستثناء على وجه يوجب التوحيد ، وأيضا لما انحصر الإله بحقّ فيه ، كان استثناؤه إخراج جميع ما تحت المستثنى منه ، فمناط التوحيد على نفى وجود ما يتوهّم معبودا بالحقّ ، وإثبات ما هو المستحقّ للعبوديّة في الواقع أو الواجب لذاته ، وهو يكفي لانحصاره في ذات واحدة ، فالمعنى لا إله يجوّز العقل كونه معبودا بالحقّ إلا الواجب لذاته في الواقع ، ولا يتفاوت في ذلك كون الله بمعنى الواجب لذاته ، أو بمعنى شخص معين ملحوظ بمفهوم الواجب لذاته ، نعم كونه بمعنى الشخص أنسب بمقام التوحيد كما لا يخفى ، انتهى ، وهو حسن.
«الرّحمن الرحيم» صفتان مشبّهتان من رحم بالكسر ، بعد نقله إلى رحم بالضّمّ ، أو بعد تتريل المتعدّي مترلة اللازم ، كما في قولهم فلان يعطي ، لأنّ الصفة المشبهة لا تصاغ من متعدّ. والرحمة رقة وانعطاف ، تقتضي التفضّل ، وأسماؤه تعالى إنّما تطلق باعتبار الغايات دون المبادى ، فالمراد هنا التفضّل أو إرادته ، والرّحمن أبلغ من الرّحيم جريا على القاعدة المشهورة من أنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى ، وذلك أنّ الأوّل يدلّ على جلائل النعم ، والثانى على دقائقها ، وهما مجروران على الوصفيّة من باب تعدّد
__________________
(١) مسعود بن عمر سعد الدين التفتازانيّ ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان ، له : تهذيب المنطق ، المطول في البلاغة ، شرح التلخيص. مات سنة ٧٩١ ق. بغية الوعاة ٢ / ٢٨٥.
(٢) العلّامة الفاضل المحقق عصام الدين إبراهيم بن عربشاه الإسفرايني المتوفي سنة ٩٤٥ ه ، وهو من الّذين شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للشيخ جلال الدين القزويني ، وشرحه ممزوج عظيم يقال له الأطول.
حاجي خليفة ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، المجلّد الأوّل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، لاط ، لات ، ص ٤٧٧.