الثاني : ما ذهب إليه الزّجّاج من أنّه فعل محذوف بعد الواو فإذا قلت : جاء البرد والطيالسة (١) ، فكأنّك قلت : جاء البرد ولابس الطيالسة ، وردّ بأنّ الإضمار خلاف الأصل.
الثالث : ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّه الخلاف أي مخالفة الأوّل في إعرابه ، فيكون أمرا معنويّا ، وردّ بأنّ الإحالة على العامل المعنوي أنّما يضطرّ عند عدم اللفظيّ.
الرابع : ما ذهب إليه الشيخ عبد القاهر في جملة من أنّه نفس الواو ، وردّ بأنّه لو كان كذلك لاتّصل الضمير بها كما يتّصل بسائر الحروف الناصبة مع أنّه لا يقال : سرت وك.
الخامس : ما ذهب إليه الأخفش من أنّ انتصابه على الظرفيّة ، وذلك لأنّ الواو لمّا أقيمت مقام مع المنصوب على الظرفيّة ، والواو في الأصل حرف ، فلم يحتمل النصب أعطى ما بعده عارية إعرابه كما أعطى ما بعده إلا إذا كانت بمعنى غير إعراب نفس غير كما قيل في له عندي عشرة إلا واحدا أنّ الاصل غير واحد ، ثمّ أنيب إلا عن غيره ونقل الإعراب لما بعدها ، وردّ بأنّه لو كان كذلك لجاز النصب في : كلّ رجل وضيعته مطّردا ، وليس كذلك.
[التنبيه] الثالث : أنّه لا يجوز الفصل بين الواو والمفعول معه بظرف ولا بغيره ، فلا يقال : قام زيد واليوم عمرا ، وإن جاز الفصل بالظرف بين الواو العاطفة ومعطوفها ، لأنّ الواو هنا نزّلت مترلة المجرور من الجارّ ، فمنعوا الفصل بينهما ، قاله في الهمع.
ولا يتقدّم المفعول معه على عامله كما يتقدّم سائر المفاعيل ، فلا يقال : بزيد وعمرا مررت ، لأنّ اصل الواو للعطف ، والمعطوف تابع فحقّه التأخير ، وأجازه الرضيّ ، عليه من الله الرضا ، قال : وأنا لا أري منعا من تقديم المفعول معه على عامله إذا تأخّر عن المصاحب ، لأنّ ذلك مع واو العطف الّذي هو الأصل جائز ، نحو : زيدا وعمرا ضربت ، انتهى.
ولا يتقدّم على المصاحب أيضا ، فلا يقال : مررت وعمرا بزيد ، وأجازه ابن جنيّ محتجّا بقوله [من الطويل] :
٢٣٧ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة |
|
ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (٢) |
وقوله [من البسيط] :
٢٣٨ ـ أكينه حين أناديه لأكرمه |
|
ولا ألقّبه والسوأة اللّقبا (٣) |
__________________
(١) الطيالسة : جمع الطيلسان أو الطيلس بمعنى الطالسان وهو ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف ، أو يحيط بالبدن وهو ما يعرف في العامية المصريّة بالشال.
(٢) هو ليزيد بن الحكم. اللغة : المرعوي : من الإرعواء ، وهو الكف عن القبيح.
(٣) لم يسمّ قائله في خزانة الأدب ، وقيل : البيت لبعض الفزاريين.