قال ابن مالك : وقد كثر في كلامه التعبير بالقبيح عن الامتناع ، قال الدمامينيّ في شرح التسهيل : وانظر لم لم يقدّر الناصب في ذلك فعلا محذوفا ، كما في مالك وزيدا؟ فإنّ تلك جائزة باتّفاق ، وهذه نظيرتها ، وجواز تلك على إعمال المقدّر ، انتهى.
وأجيب بأنّ التقدير في ما لك وزيدا؟ له داعيان تقدّم ما الاستفهامية الّتي هي بالأفعال أولى ، وتأخّر الجار والمجرور لاقتضائه ما يتعلّق له وجوبا بخلاف هذا لك وأباك ، فإنّه ليس فيه إلا داع واحد ، انتهى.
«وجئت أنا وزيدا» هذا المثال من قسم المثال الأوّل ممّا فيه الفعل لفظيّا ، وإنّما ذكره ، تمهيدا للحكم الّذي بعده وهو قوله : والعطف في المثالين الأولين وهما : سرت وزيدا وما لك وزيدا ، ونحوهما من كلّ جملة اسميّة أو فعلية ، بعدها واو بمعنى مع ، وقبل الواو وضمير متّصل مرفوع أو مجرور غير مؤكّد بضمير منفصل أو بفاصل ما قبيح. أمّا في الأوّل فلأنّ العطف على الضمير المرفوع المتّصل لا يحسن إلا بعد توكيده بضمير منفصل أو بفاصل ما ، أمّا في الثاني فلأنّ العطف على الضمير المجرور لا يجوز إلا بعد إعادة الجارّ في الضرورة ، وهو مذهب البصريّين ، وظاهر كلام المصنّف في باب العطف.
وأمّا الكوفيّون فيجوّزونه في السّعة ، وجوّزه البصريّون في السّعة أيضا ، لكن بإضمار الجارّ لتقدّم ذكره مع أنّه لا يعمل مضمرا لضعفه ، ومنع العطف في المثالين جماعة ، منهم أبن الحاجب وابن هشام في القطر ، والعطف في المثال الأخير وهو جئت أنا وزيدا ونحوه من كلّ جملة اسميّة أو فعلية بعدها واو مع وقبل الواو ضمير متّصل مرفوع مؤكّد بضمير منفصل سائغ فيجوز نصبه على المفعول معه ورفعه على العطف.
وفصّل الرضي بين أن يقصد النصّ على المصاحبه ، فيجب النصب ، وبين أن لا يقصد النصّ عليها فلا يجب ، وهو الصحيح ، والعطف في نحو : ضربت زيدا وعمرا واجب اتّفاقا ، لأنّ أصل الواو الّتي قبل المفعول معه هو العطف ، وإنّما يعدل ما بعده عن العطف إلى النصب نصّا على المعنى المراد من المصاحبة ، لأنّ العطف في نحو : جاءني زيد وعمرو ، يحتمل تصاحب الرجلين في المجئ ، ويحتمل أحدهما قبل الآخر ، والنصب نصّ في المصاحبة ، وفي المثال المذكور لا يمكن التنصيص بالنصب على المصاحبة لكون النصب في العطف الّذي هو الأصل أظهر ، قاله الرضيّ ، عليه من الله الرضي ، وتبعه المصنّف في الحاشية.