قال الرضيّ : وأنا لا أري بينهما فرقا ، لأنّ معنى التمييز عنده ما أحسن فروسيّته ، فلا تمدحه وفي غير حال فروسيّته إلا بها ، وهذا المعنى هو المستفاد من قولنا : ما أحسنه في حال فروسيّته وتصريحهم بمن في لله درّك من فارس دليل على أنّه تمييز ، وكذا قولهم : عزّ من قائل ، انتهى.
تنبيه ، ممّا يحتمل الحالية والتمييز أيضا قولك : كرم زيد ضيفا ، إن قدّرت زيدا هو الضيف ، أمّا الحالية فدلالته على الهيئة ، وأمّا التمييز فلدخول من عليه ، والأجود عند قصد التمييز إدخالها عليه دفعا لتوهّم الحالية ، وإن قدّرت زيدا غير الضيف تعيّن التمييز ، وامتنعت حينئذ من ، لأنّه تمييز عن الفاعل ، والأصل كرم ضيف زيد.
«فالأوّل» أي التمييز الرافع للابهام المستقرّ عن ذات يصدر «عن مقدار» صدورا «غالبا» لا دائما ، فإنّه قد يصدر عن غير مقدار كما سيأتي ، ويجوز أن يكون عن بمعنى بعد ، نحو قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق / ١٩] ، والمراد بالمقدار ما يقدّر به الشيء ، أي يعرف به قدره ويبيّن.
والمقادير إمّا مقاييس مشهورة موضوعة ليعرف بها قدر الأشياء كالأعداد ، وما يعرف به قدر الكيل كالقفيز (١) والإردبّ (٢) والكرّ (٣) ، وما يعرف به قدر الموزون كضبحات الوزن كالطّسوج (٤) والدانق (٥) والدينار والمنّ والرطل وغير ذلك ، وما يعرف به قدر المذروع والممسوح كالذراع وقد راحة وقد شبر ونحو ذلك. أو مقاييس غير مشهورة ولا موضوعة للتقدير كقوله تعالى : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عمران / ٩١] وقولك : عندي مثل زيد رجلا ، وأمّا غيرك رجلا وسواك إنسانا فمحمول على مثلك بالضديّة ، وقولك : بطولك رجلا ، وبعرضه أرضا ، وبغلظه خشبا ، ونحو ذلك من المقاييس. أيضا فهذه المقادير إذا نصبت عنها التمييز أردت بها المقدّرات لا المقادير ، لأنّ قولك : عندي عشرون درهما وذراع ثوبا ورطب زيتا ، والمراد بعشرون هو الدراهم لا مجرّد العدد وبذراع المذروع وبرطل الموزون إلا ما يوزن به وكذا في غيرها قاله الرضيّ.
«والخفض» أي خفض إضافة تمييز المقدار بإضافة التمييز إليه كشبر أرض وقفيز برّ ومنوي عسل وتمر «قليل» لما سيأتي ، هذا إذا لم يكن المميّز عددا أو مضافا ، فإن كان
__________________
(١) القفيز : مكيال كان يكال به قديما.
(٢) الاردبّ : مكيال يسع إربعة وعشرين صاعا.
(٣) الكرّ : مكيال لأهل العراق ، أو ستبون قفيزا ، أو أربعون إردبّا.
(٤) الطسوج : حبتان من الدوانيق.
(٥) الدانق : سدس الدرهم.