ولذلك صحّ وصف النكرة بها ، واختلف في سبب ذلك ، أعني عدم قبول التعريف ، فقيل : لشدّة الإبهام ، وهو رأي ابن السّراج والسيرافيّ ، وارتضاه الشلوبين ، وذهب سيبويه والمبرّد إلى أنّ السبب في ذلك أنّ الاضافة إضافة تخفيف ، فينوى فيه التنوين ، لا إضافة تعريف كما في اسم الفاعل ، إلا أنّهم التزموا التخفيف في ذلك ، ولم يلتزموه في اسم الفاعل ، أمّا إذا أريد المماثلة والمغايرة في شيء مخصوص كما إذا اشتهر شخص بمماثلتك في شيء من الأشياء كالعلم أو الشجاعة ونحوها فقيل : جاء مثلك ، كان معرفة إذا قصد الّذي يماثلك في الشيء الفلاني ، وكذا غيرك.
قال ابن مالك في شرح التسهيل ، وقد يعني بغير ومثل مغايرة خاصّة ومماثلة خاصّة ، فيحكم بتعريفها ، وأكثر ما يكون ذلك في غير ، إذا وقعت بين الضدّين ، نحو : فليكن المغلوب غير الغالب ، والمسلوب غير السالب ، وأجاز بعض العلماء منهم السيرافيّ أن يحمل على هذا : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الحمد / ٧] ، لوقوع غير فيه بين متضادّين ، وليس ذلك بلازم لقوله تعالى (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر / ٣٧] ، فنعت به النكرة مع وقوعه بين متضادّين ، انتهى.
وأجاب الرضيّ عن هذا بأنّه على البدل لا الصفة وكغير ومثل وحسب وكلّ ما كان في معناه من شبهك ونظيرك وسواك ونحوك وضربك وتربك وندّك وحسبك وناهيك وشرعك وبجلك وقدّك قال [أبو حيّان] في الإرتشاف : ومأخذه السماع.
الثاني : ما كان واقعا موقع نكرة لا تقبل التعريف ، نحو : ربّ رجل وأخيه وكم ناقة وفصيلها ، وفعل ذلك جهده وطاقته ، ونحو : لا أبا له ، لأنّ ربّ وكم لا يجرّان المعارف ، والحال لا تكون معرفة ، ولا لا تعمل في المعرفة.
فائدة : في نحو لا أبا له ثلاثة مذاهب :
أحدها : أنّ أبا مضاف إلى ما بعد اللام ، والخبر محذوف ، واللام زائدة بين المتصايفين تحسينا لللفظ ورفعا لوقوع اسم لا معرفة في الظاهر ، والدّليل على زيادتها أنّها قد جاءت في قوله [من الوافر] :
٣٠٥ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي |
|
ملاق لا أباك تخوّفيني (١) |
وهذا مذهب سيبويه والجمهور.
الثاني : أنّ اللام غير زائدة ، وأنّها وما بعدها صفة لما قبلها ، فتتعلّق بكون محذوف ، وأنّهم نزّلوا الموصوف مترلة المضاف لطوله بصفته ومشاركته للمضاف في أصل معناه ،
__________________
(١) هذا الشاهد من كلام أبي حية النميرى.