جمود الدم عليه ، بحيث يكون بين الظهور ، ويصير سمة بادية عليه ، قاله الدمامينيّ في التحفة ، وإلى هذا أشار ابن حزم الظاهريّ (١) في قوله [من الطويل] :
٣٠٨ ـ تجنّب صديقا مثل «ما» واحذر الّذي |
|
يكون كعمرو بين عرب وأعجم |
فإنّ صديق السوء يزري وشاهدي |
|
كما شرقت صدر القناة من الدم |
ومراده بما الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة ، وبعمرو عن الرجل المريد (٢) الأخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخطّ ، قاله في المعنى وغيره.
وظاهر ممّا ذكره جوازا أن يكون المراد بما الموصوفة ، وكأنّ إيثاره الموصولة بالذكر لكونها أشهر ، والنقص فيها أظهر ، قال بعض المتأخّرين : ويمكن أن يكون مراده بما ما النافية ، لأنّ السلب نقص ، كما أنّ الإيجاب شرف على ما تقرّر في علم المنطق. قال الصلاح الصفديّ : ويحتمل أن يكون مراده ، بعمرو عمرو المذكور في قول الشاعر [من البسيط] :
٣٠٩ ـ المستجير بعمرو عند كربته |
|
كالمستجير من الرمضاء بالنّار (٣) |
ومثل البيت المستشهد به قول الأخر [من الرجز] :
٣١٠ ـ طول اللّيإلى أسرعت في نقضي |
|
نقضن كلّي أو نقضن بعضي (٤) |
وقوله [من الوافر] :
٣١١ ـ وما حبّ الدّيار شغفن قلبي |
|
ولكن حبّ من سكن الدّيارا (٥) |
قال ابن هشام في المغني : يحتمل أن يكون من ذلك (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام / ١٦٠] (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران / ١٠٣] ، أي من الشفا ، ويحتمل أنّ الضمير للنار ، وأنّ الأصل فله عشر حسنات أمثالها ، فالمعدود في الحقيقة الموصوف المحذوف ، انتهى.
وعبارة المصنّف شاملة لما كان المؤنّث فيه ظاهرا أو مضمرا ، وزعم الفرّاء أنّه لا يجوز مع المضمر ، فلا يجوز الأصابع قطعت بعضها ، ولا القناة أشرقت صدرها ، وإنّ
__________________
(١) ابن حزم الأندلسي أبو محمد على بن أحمد (٩٩٤ ـ ١٠٦٤ م) كان شاعرا وفيلسوفا له «طوق الحمامة» أثر شهير في الأدب و «جهرة أنساب العرب». المنجد في الاعلام ص ٦.
(٢) في جميع النسخ «عن الرجل المتزيد» ولكن في المغني عن الرجل المريد. مغني اللبيب ص ٦٦٧.
(٣) البيت للبحترى. اللغة : المستجير : اسم الفاعل من استجار بمعنى استغاث ، الكربة : الحزن والغم ، الرمضاء : شدّة الحر.
(٤) هو من أبيات للأغلب العجلي ، وقيل للعجلاج التميمي واسمه عبد الله بن رؤبة. اللغة : نقضن : كسرن ، كلي وبعضي : كل أعضائي وبعض أعضائي.
(٥) هو للمجنون. اللغة : شغفن : أصبن قلبي.