العرب منعت من استجازته ، ذكره في الإرتشاف ، وأجازه بعضهم مستشهدا بقوله [من الطويل] :
٣١٢ ـ تمنّيت شمسا أستضئ بنورها |
|
فلمّا أضاءت أحرقتني ضياؤها (١) |
والثاني نحو قوله [من البسيط] :
٣١٣ ـ إنارة العقل مكسوف بطوع هوي |
|
وعقل عاصي الهوي يزداد تنويرا (٢) |
فذكّر مكسوف ، والقياس مكسوفة ، لأنّه خبر مؤنّث ، وهو إنارة ، لأنّها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى العقل. قال ابن هشام : ويحتمل أن يكون منه قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف / ٥٦] ، وتبعده (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى / ١٧] ، فذكّر قريب حيث لا إضافة ، ولكن ذكر الفرّاء أنّهم التزموا التذكير في قريب ، إذا لم يرد قرب النسب قصدا للفرق ، انتهى.
واشترط جواز الاستغناء عن المضاف بالمضاف إليه في الصورتين ، لأنّه لو لم يجز ذلك لم يكتسب المضاف الحكم المذكور في مسألتين «ومن ثمّ امتنع قامت غلام هند» وجاء أمة زيد. إذ لا يقال : قامت هند وأنت تريد غلامها ، ولا جاء زيد وأنت تريد أمته ، وزاد ابن مالك في التسهيل شرطا آخر لم يذكره المصنّف ، وهو كون المضاف بعضا من المضاف إليه كمثال المتن أو كبعضه ، نحو اجتمعت أهل اليمامة.
قال البدر الدمامينيّ في شرحه : فإن قلت : ما الّذي استفيد من هذا القيد بعد اعتبار القيد الأوّل ، وهو صحّة الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف ، فإنّ هذا ملزوم لكون المضاف بعضا أو كبعض ، قلت : لا نسلم هذه الملازمة ، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن تقول : أعجبتني يوم عروبة ، وإن صحّ الاستغناء مع كون المضاف ليس بعضا للمضاف إليه ولا كبعضه ، لأنّ اليوم نفس عروبة فقد ظهرت فائدة الإتيان بهذا القيد ، انتهى. وعروبة وباللام يوم الجمعة (٣).
وزاد الفارسيّ قسما آخر ، يجوز فيه التأنيث ، وهو أن يكون المضاف إلى المؤنّث [كلمة] كلّ ، كقول عنترة [من الكامل] :
٣١٤ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة |
|
فتركن كلّ حديقة كالدّرهم (٤) |
__________________
(١) هو لأبي بكر الشبلي.
(٢) لم يسمّ قائله ، اللغة : المكسوف. اسم مفعول من الكسف بمعنى الاحتجاب ، الطوع : الانقياد.
(٣) العروبة ويوم العروبة : يوم الجمعة في الجاهلية.
(٤) هو من قصيدة لعنترة بن شدّاد العبسي وهي إحدى المعلقات. اللغة : الثرّة : الكثيرة الماء.