زيدا ضربت غلامه ، فيقدّر ما يناسبه بالترادف أو باللزوم ، إذ تقدير المذكور يقتضي في الأولين تعدّي القاصر بنفسه ، وفي الثالث خلاف الواقع إذ الضرب لم يقع بزيد ، فوجب أن يقدّر في الأوّل جاوزت ، لأنّ مررت بعد تعديته بالباء بمعنى جاوزت ، وفي الثاني لابست ، لأنّ حبس الشيء يستلزم ملابسته للمحبوس عليه ، وفي الثالث أهنت ، فإنّ ضرب الغلام يستلزم إهانة سيده بحسب العادة.
قال ابن هشام : وليس المانعان مع كلّ متعدّ بالحرف ، ولا كلّ سييّ ، ألا ترى أنّه لا مانع في نحو : زيد شكرت له ، لأنّ شكر يتعدّي بالجارّ وبنفسه ، ونحو : يوم الجمعة صمت فيه ، لأنّ العامل لا يتعدّي إلى ضمير الظرف بنفسه ، مع أنّه يتعدّي إلى الظاهر بنفسه ، وكذلك لا مانع في زيد أهنت أخاه ، لأنّ إهانة أخيه إهانة له بخلاف الضرب ، انتهى.
تنبيه : ما ذهب إليه من أنّ الناصب عامل مقدّر هو مذهب البصريّين والجمهور ، وقيل : هو العامل المذكور ، وهو مذهب الكسائيّ وتلميذه الفرّاء ، ثمّ اختلفا ، فقال الكسائيّ : هو عامل في الظاهر ، والضمير ملغي ، وقال الفرّاء : عامل فيهما ، لأنّهما في المعنى كشيء واحد ، ويرد عليهما أزيدا مررت به.
وإنّما يجب نصبه «إذا تلا ما لا يتلوه إلا فعل كأدوات التحضيض» بحاء مهملة وضادّين معجمتين ، وهي أربعة : هلّا بتشديد اللام ، وهي أشهرها ، ولذلك مثّل بها فقال : «نحو هلّا زيدا أكرمته» ، إلا بتشديد اللام أيضا ، ولو لا ولوما.
وإنّما قال : كأدوات التحضيض لعدم انحصاره ما يتلوه إلا فعل فيهما ، إذ مثّلها أدوات الاستفهام غير الهمزة ، نحو : هل زيدا رأيته؟ ومتى عمرا لقيته؟ وأدوات الشرط غير أمّا ، نحو : إن زيدا لقيته فأكرمه ، إلا أنّ هذين النوعين أعني أدوات الاستفهام والشرط ، لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر ، وأمّا في النثر فلا يليها إلا صريح الفعل ، فلا يجوز : متى عمرا لقيته؟ وحيثما زيدا لقيته فأكرمه ، إلا إذا كانت أداة الشرط إذا مطلقا ، أو إن ، والفعل ماض ، فيقع في نثر الكلام ، «نحو : إذا زيدا لقيته أو تلقاه فأكرمه» ، وإن زيدا لقيته فأكرمه ، ويمتنع في نثر الكلام (١) إن زيدا تلقه فاكرمه ، ويجوز في الشعر ، قاله في الأوضح.
تنبيهات : الأوّل : قيل : عبارة المصنّف أولى من عبارة ابن الحاجب في الكافية ، حيث قال : ويجب النصب بعد حرف الشرط وحرف التحضيض لوجهين : الأوّل لشمولها
__________________
(١) سقطت «يمتنع في نثر الكلام» في «ح».