لتأخّر رتبته. قال بعضهم : ولأنّ المؤنّث ثقيل فناسبه حذف التاء ، والمذكّر خفيف فناسبه دخولها ليعتدلا ، حكاه في البسيط.
تنبيهات : الأوّل : محلّ ما ذكر إذا لم يحذف المعدود ، فإن حذف جاز في الفصيح حذف التاء مع المذكّر ، نحو (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة / ٢٣٤] ، أي عشرة أيام ، وفي الحديث : من صام رمضان ، وأتبعه بستّ من شوّال (١).
وحكى الكسائي عن ابن أبي الجراج (٢) : «صمنا من الشهر خمسا» ، والأفصح إثباتها ، وأمّا نحو : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام / ١٦٠] فعلى حذف مضاف ، أي عشر حسنات أمثالها ، ولولاه لقيل : عشرة ، لأنّ المثل مذكّر ، والمعتبر مع الجمع حال مفردة في التذكير والتأنيث.
الثاني : إذا كان معنى المعدود مؤنّثا ، واللفظ مذكّرا ، وبالعكس جاز الوجهان تقول : ثلاثة أشخص ، وثلاث أشخص ، أي نساء ، وثلاث أنفس ، وثلاثة أنفس أي رجال. والأوّل هو الغالب ، وكذا في ما جاز تذكيره وتأنيثه كساق ولسان نحو :
خمسة ألسنة وخمس ألسنة وخمسة سوق وخمس سوق.
الثالث : قد يذكّر العدد من غير إرادة معدود ، وهو العدد المطلق ، فيؤتي فيه بالتاء لا غير ، نحو : ثلاثة نصف ستّة ، ولا ينصرف ، لأنّه علم ، كذا قال بعضهم ، وما ذكره من منع الصرف هو رأي الزمخشريّ وابن جنيّ وابن خبّاز وابن مالك.
قال الرضيّ قال ابن جنيّ : وكذا في بعض نسخ المفصّل (٣) ما معناه أنّ الاعداد إذا قصد بها مطلق العدد لا المعدود كانت أعلاما ، فلا ينصرف إن انضمّ إلى العلميّة سبب آخر ، كقولك : ستّة ضعف ثلاثة ، غير منصرفين ، ومائة ضعف خمسين.
قال المصنّف يعني ابن الحاجب : إنّ جار الله كان أثبته ثمّ أسقطه لضعفه ، قال : ووجه إثباته أنّ ستّة مبتدأ ، فلولا أنّه علم لكان مبتدأ بالنكرة من غير تخصيص. قال : ونعم ما قال ، ووجه ضعفه أنّه يؤدّي إلى أن يكون أسماء الأجناس كلّها أعلاما ، إذ ما من نكرة إلا ويصحّ استعمالها كذلك ، نحو : رجل خير من امرأة ، وذلك جائز في كلّ نكرة قامت قرينة على أنّ الحكم غير مختصّ ببعض من جنسها ، فمجوّز الابتداء هنا كونها للعموم ، وقد جاءت النكرة غير المبتدأ أيضا في الإيجاب للاستغراق ، لكن قليلا ، نحو (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) [الانفطار / ٥] ، إلى هنا كلام الرضيّ.
__________________
(١) تمام الحديث «كان كصوم الدهر». سنن ابن ماجه ، ص ٤٠١ ، رقم ١٧١٦.
(٢) لعلّه محمد بن داود الجرّاح ، أديب من علماء الكتاب من أهل بغداد ، له كتب ، منها : الورقة في أخبار الشعراء ، والشعر والشعراء ، مات سنه ٢٩٦ ه ق. الأعلام للزركلي ٦ / ٣٥٥.
(٣) المفصل في صنعة الإعراب لجار الله الزمخشري.