والخامس : «لو» المصدريّة على رأي ذهب إليه الفرّاء وأبو على وأبو البقاء والتبريزي (١) وابن مالك ، وتوصل بفعل متصرّف غير أمره ، وأكثرهم لم يثبت ورودها مصدريّة.
فمثال أنّ المشدّدة إذا كان الخبر مشتقّا ، نحو : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) [العنكبوت / ٥١] ، أي إنزالنا ، ومنه بلغني أنّك في الدار ، أي استقرارك ، لأنّ الخبر في الحقيقة هو المحذوف ، وإذا كان جامدا ، نحو : بلغني أنّ هذا زيد ، أي كونه زيدا ، لأنّ كلّ خبر جامد يصحّ نسبته إلى المخبر بلفظ الكون ، تقول : هذا زيد ، وإن شيءت قلت : هذا كائن زيدا ، ومعناهما واحد. وقال الرضيّ : أي زيديته ، فإنّ ياء النسب إذا لحقت بالاسم وبعدها التاء أفادت معنى المصدر ، نحو : الفروسيّة والمضروبيّة والضاربيّة.
ومثال أن المخفّفة (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة / ١٨٤] ، أي صومكم خير لكم ، (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الاسراء / ٧٤] أي تثبيتا لك ، كتب إليه بأن قم ، أي بالقيام. هذا هو الصحيح. واختلف في أمرين من ذلك : أحدهما كون الموصولة بالماضي هي الموصولة بالمضارع ، والمخالف في ذلك ابن طاهر محتجّا بأنّ الداخلة على المضارع تخلّصه للاستقبال ، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف. ونقض بأن الشرطية ، فإنّها تدخل على المضارع ، وتخلّصه للاستقبال ، وتدخل على الماضي اتّفاقا.
الثاني : كونها توصل بالأمر ، والمخالف في ذلك الرضيّ وأبو حيّان محتجّين بأنّها لو وصلت به لفات معنى الأمر ، قالا : وكلّ شيء سمع من ذلك فإن فيه تفسيرية ونقض بفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والمضارع عند التأويل المذكور على أنّه قد يمنع فوات معنى الأمر بجواز التأويل بالمصدر الطلبيّ ، كما فعله صاحب الكشاف ، وقال في قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) [نوح / ١] أن الناصبة للفعل ، أي إنّا أرسلناه بأن أنذر قومك ، أي بأن قلنا له : أنذر ، أي بالأمر بالإنذار ، انتهى.
فعلى هذا إذا قلت : كتبت إليه بأن قم ، فالمعنى كتبت إليه بالأمر بالقيام ، وهو نظير تأويلهم بالمصدر العدميّ ، إذا كانت الصلة منفيّة ، نحو : وأن لا تصوموا شرّ لكم ، أي عدم صومكم شرّ لكم ، ومثال ما : (بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص / ٢٦] ، أي بنسيانهم. وستأتي تتمّة الكلام عليها في حديقة المفردات ، ان شاء الله تعالى.
__________________
(١) التبريزي الخطيب (أبو زكريا يحيى) (١٠٣٠ ـ ١١٠٨) من أئمة اللغة والأدب ، ولد في تبريز وتوفّي ببغداد. له «شرح ديوان الحماسة» لأبي تمام و «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت و «شرح سقط الزند» لأبي العلا المعري. المنجد في الأعلام ص ١٦٩.