ريب في تثنيته وجمعه باللذين والّذين إلا في ضرورة ، كقول أشهب بن رميلة (١) [من الطويل] :
٤٩٣ ـ وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (٢) |
قال أبو حيّان : ولا يعرف أصحابنا هذا التفصيل ، بل أنشدوا البيت على الجواز في فصيح الكلام لا على الضرورة ، وسيأتي في الآية والبيت غير ذلك.
تنبيه : حمل ابن مالك البيت على الضرورة ، ينافي تفسيره للضرورة بأنها ما لا يقع إلا في الشعر ، ولم يكن للشاعر عنه مندوحة (٣) بأن يقول : وإنّ الأولى جاءت بفلج دماؤهم ، فلا يكون على هذا البيت ضرورة.
وأصل الّذي عند البصريّين «لذّ» على وزن عمّ وشجّ ، فلمّا أرادوا الوصف بها من بين الأسماء الموصولة لكونها على وزن الصفات بخلاف ما ومن أدخلوا عليها اللام الزائدة تحصينا لللفظ ، حتى لا يكون موصوفها كمعرفة توصف بالنكرة ، وإنّما قلنا بزيادة اللام لما مرّ أنّ الموصولات معارف وضعا بدليل كون من وما معرفتين بغير اللام ، وإنّما ألزموها اللام الزائدة ، لأنّها لو نزعت تارة ، وأدخلت أخري ، لأوهم كونها للتعريف كما في نحو الرجل ورجل.
وقال الكوفيّون : أصلها الذال الساكنة ، ثمّ لمّا أرادوا إدخال اللام عليها ، زادوا قبلها لاما متحرّكة لئلّا يجمعوا بين الذال ولام التعريف الساكنة ، ثمّ حرّكوا الذال بالكسر ، واشبعوا الكسرة فتولّدت ألف. وكلّ ذا قريب من دعوى الغيب ، قاله الرضيّ.
«والّتي» بقلب الذال تاء «للمفرد المؤنّث» من ذوي العلم وغيرهم ، نحو : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) [المجادلة / ١] ، (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة / ١٤٢]. ولك في ياء الّذي والّتي وجهان : الإثبات والحذف ، فعلى الإثبات تكون إمّا حقيقة ، فتكون ساكنة ، وإمّا شديدة ، فتكون إمّا مكسورة أو جارية بوجوه الإعراب ، وعلى الحذف فيكون الحرف الّذي قبلها إمّا مكسورا كما كان قبل الحذف ، وإمّا ساكنا ، فهذه خمس لغات.
«ولمثناهما» أي مثنّى المفرد المذكّر والمفرد والمؤنّث «اللّذان واللتّان» بالألف ، «إن كانا مرفوعي المحلّ» واللّذين واللتين «بالياء» المفتوح ما قبلها «إن كانا منصوبيه» أي المحلّ «أو مجروريه» وليست الألف فيهنّ علامة الرفع ، والياء علامة النصب والجرّ ،
__________________
(١) الأشهب بن ثور بن أبي حارثة شاعر نجدي ولد في الجاهليّة وأسلم وعاش في العصر الأموي ، نسبته إلى أمه رميلة أمة اشتراها أبوه في الجاهلية ، ومات بعد سنة ٨٦ ه. الأعلام للزركلي ١ / ٢٣٥.
(٢) تقدّم برقم ٦٨.
(٣) المندوحة : سعة وفسحة.