لأنهنّ لسن مثنيات حقيقة ، بل مبنيّات جئ بهنّ على صورة المثنّى كما مرّ في ذان وتان وذين وتين. قال بعضهم : والصحيح أنّهنّ جميعا معربات مثنيات حقيقة ، ودعوى أنّ كلّ واحدة منها صيغة مستأنفة خلاف الظاهر.
قال الزجاج : ولم يبن شيء من المثنّى ، لأنّهم قصدوا أن تجرى أصناف المثنّى على نهج واحد ، إذ كانت التثنية لا يختلف فيها مذكّر ولا مؤنّث ولا عاقل ولا غيره ، فوجب أن لا تختلف المثنّيات إعرابا وبناء بخلاف الجمع ، فإنّه مخالف بعضه بعضا ، انتهى.
وكان القياس في تثنيه الّذي والّتي وتثنية ذا وتا أن يقال : اللذيان اللتيان وذيان وتيان ، كما يقال في القاضي من المعرب المنقوص : القاضيان بإثبات الياء ، وكما يقال في تثنية فتي من المعرب المقصور : فتيان ، بقلب الألف ياء ، ولكنّهم حذفوا الآخر وهو الياء من الّذي والّتي والألف من ذا وتاء ، وأبقوه في القاضي وفتي ، فرقا بين المتمكّن وغيره. وتميم وقيس تشدّدان النون فيهنّ تعويضا من المحذوف أو تاكيدا للفرق.
ولا يختصّ ذلك لحالة خلافا للبصريّين ، لأنّه قرئ به في السبع في غير الرفع في قوله تعالى : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) [فصلت / ٢٧] ، و (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [القصص / ٢٧] ، كما قرئ به فيهما في الرفع في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص / ٣٢] ، (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) [النساء / ١٦].
وبلحارث وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان في حالة الرفع تقصيرا للموصول بطوله للصلة لكونها كالشيء الواحد قال [من الكامل] :
٤٩٤ ـ أبني كليب إنّ عمّي اللّذا |
|
قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (١) |
وقال الأخر [من السريع] :
٤٩٥ ـ فما اللّتا لو ولدت تميم |
|
لقيل فخر لهم صميم (٢) |
ولا يجوز ذلك في ذان وتان للالباس ، فتلخّص أنّ في نون الموصول ثلاث لغات ، وفي نون الإشارة لغتان.
«الألى» على وزن العلى بالقصر ، وهو أشهر من المدّ ، وتكتب بلا واوا ، كما قاله ابن هشام في شرح اللملحة ، وقد تجرّد من أل ، قال بعضهم : فتقيّد حينئذ بالّتي بمعنى الّذين للاحتراز عن الإشاريّة ، إذ النطق بهما واحد ، قلت : والظاهر أنّه لا حاجة إلى
__________________
(١) هو الأخطل. اللغة : الأغلال : جمع الغل وهو طوق من حديد يجعل في عنق الأسير أو المجرم أو في أيديهما.
(٢) نسب البيت للأخطل وليس في ديوانه.