فالفعل في نحو : جاء زيد وعمرو ، يحتمل أن يكون حصل من كليهما في زمان واحد ، وأن يكون حصل من زيد أوّلا ، وأن يكون حصل من عمرو أوّلا.
فهذه ثلاثة احتمالات عقليّة ، لا دليل في الواو على أحد منها ، وإنّما دلّت على مطلق الاجتماع في الحكم ، ومن ثمّ يعطف بها الشيء على مصاحبة ، نحو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) [العنكبوت / ١٥] ، وعلى سابقه ، نحو : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) [الحديد / ٢٦] ، وعلى لاحقه (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) [المرسلات / ٣٨].
فهذه ثلاث مراتب ، وهي مختلفة في الكثرة والقلّة ، فمجيئها للمصاحبة أكثر ، وللترتيب كثير ، ولعكس الترتيب قليل ، فيكون عند الاحتمال والتجرّد من القرائن للمعيّة بأرجحيّة وللتأخّر برجحان وللتقدّم بمرجوحية ، هذا مراد التسهيل ، وهو تحقيق للواقع لا قول ثالث ، قاله في التصريح ، وفيه ردّ لقول أبي حيّان من أنّ قول ابن مالك : كون الواو للمعيّة راجح ، وللترتيب كثير ، ولعكسه قليل ليس مذهب البصريّين ولا الكوفيّين ، بل هو ثالث خارج عن القولين فيجب اطراحه.
تنبيه : تنفرد الواو عن سائر أحرف العطف بسبعة عشر حكما :
أحدها : احتمال معطوفها للمعاني الثالثة السابقة.
الثاني : اقترانها بإمّا ، نحو : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان / ١].
الثالث : اقترانها بلا إن سبقت بنفي ، ولم تقصد المعيّة ، نحو : ما قام زيد ولا عمرو ، ولا ما اختصم زيد ولا عمرو ، وإنّما جاز (وَلَا الضَّالِّينَ) [الحمد / ٧] ، لأنها في غير معنى النفي ، وأمّا (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) [الفاطر / ١٩ / ٢٠ / ٢١ / ٢٢] ، فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لأمن اللبس.
الرابع : اقترانها بلكن ، نحو : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب / ٤٠].
الخامس : عطف المفرد السّييء على الأجنبيّ عند الاحتياج إلى الربط ، كمررت برجل قائم زيد وأخوه ، وزيد قام عمرو وغلامه ، وزيدا ضربت عمرا وأخاه.
السادس : عطف العقد على النيّف نحو أحد وعشرون (١).
السابع : عطف الصفات المفرّقة مع اجتماع منعوتها كقوله [من الوافر] :
٥٤١ ـ بكيت وما بكا رجل حليم |
|
على ربعين مسلوب وبال (٢) |
الثامن : عطف ما حقّه التثنية أو الجمع كقول الفرزدق [من الكامل] :
__________________
(١) سقط «احد وعشرون» في «ح».
(٢) هو لابن ميّادة واسمه الرماح بن أبرد. اللغة : ربعين : تثنية ربع بمعنى المترل.