أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) [التوبة / ١١٨] ، وقول زهير [بن أبي سلمي من الطويل] :
٥٤٩ ـ أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوي |
|
فثمّ إذا أمسيت أمسيت غاديا (١) |
وخرجت الآية على حذف الجواب أي لجؤوا إلى ، واستغفروه ، ثمّ تاب عليهم ، والبيت على زيادة الفاء وتعيّنت للزيادة دون ثمّ ، لأنّه قد عهد زيادتها بخلاف ثمّ.
وأمّا الترتيب والمهلة فخالف قوم في اقتضائها إيّاها تمسّكا بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر / ٦] ، (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [السجدة / ٩ و ٨ و ٧] ، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه / ٨٢] ، والاهتداء سابق على ذلك ، وبقوله تعالى : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الأنعام / ١٥٤ و ١٥٣] ، وقول الشاعر [من الخفيف] :
٥٥٠ ـ إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه |
|
ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه (٢) |
وأجيب عن الكلّ بأنّ ثمّ فيها لترتيب الاخبار لا لترتيب الحكم.
قال ابن هشام : وغير هذا الجواب أنفع منه ، لأنّه يصحّح الترتيب فقط لا المهلة إذ لا تراخي بين الأخبارين ، والجواب المصحّح لهما ما قيل في الآية الأولى أنّ العطف على مقدّر ، أي من نفس واحدة أنشأها ، ثمّ جعل منها زوجها ، وفي الثانية أنّ سواه عطف على الجملة الأولى لا الثانية ، وفي الثالثة أنّ المراد ثمّ دام على الهداية ، لأنّ الغفران موقوف على العاقبة ، وفي الرابعة أنّ آتينا عطف على ما تقدّم قبل شطر السورة من قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [الأنعام / ٨٤] ، وفي البيت أنّ المراد أنّ الجدّ أتاه السودد من قبل الأب ، والأب من قبل الابن كما قال ابن الروميّ [من البسيط] :
٥٥١ ـ قالوا أبو الصّقر من شيبان قلت لهم |
|
كلّا لعمري ولكن منه شيبان |
وكم أب قد علا بابن ذري حسب |
|
كما علت برسول الله عدنان (٣) |
تنبيه : قد تقع ثمّ موقع الفاء ، فتكون للجمع والترتيب بلا مهلة كقولة [من المتقارب] :
__________________
(١) البيت في شرح ديوان زهير ص ٢٨٥ :
أراني إذا ما بت بت على هوى |
|
فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا. |
(٢) هو لأبي نواس. اللغة : ساد ـ سيادة : عظم وشرف.
(٣) اللغة : الذرى : جمع ذروة وهي أعلى الشي ، علت : ارتفعت.