أمّا هذه الثلاثة فإنّ مع كلّ منها تفريقا مصحوبا بغيره ومثّل بنحو : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) [النساء / ١٣٥] (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة / ١٣٥] ، قال : وهذا أولى من التعبير بالتقسيم ، لأنّ استعمال الواو في التقسيم أجود ، نحو : الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله [من الطويل] :
٥٥٧ ـ ... |
|
كما الناس مجروم عليه وجارم (١) |
ومن مجيئه بأو قوله [من الطويل] :
٥٥٨ ـ فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما |
|
صدور رماح أشرعت أو سلاسل (٢) |
انتهى.
وغيره عدل عن العبارتين ، فعبّر بالتفصيل ، ومثّل بقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة / ١٣٥] ، و (قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات / ٥٢] ، إذ المعنى وقالت إليهود : كونوا هودا ، وقالت النّصاري : كونوا نصاري ، وقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون ، فأو فيها لتفصيل الإجمال في قالوا.
تنبيهات : الأوّل : لم يذكر المتقدّمون لأو هذه المعاني ، بل قالوا : هي لأحد الشيئين أو الأشياء ، قال ابن هشام : وهو التحقيق ، وقد تخرج إلى معنى بل أو إلى معنى الواو ، وأمّا بقية المعاني فمستفادة من القرائن.
الثاني : قال أبو البقاء : أو في النهي نقيضه أو في الاباحة ، فيجب اجتناب الأمرين كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان / ٢٤] ، فلا يجوز فعل أحدهما ، فلو جمع بينهما كان فعلا للمنهيّ عنه مرّتين ، لأنّ كلّ واحد منهما أحدهما. وقال غيره : أو في مثل هذا بمعنى الواو ، تفيد الجمع ، وقال ابن الحاجب : بل هي بمعناها ، وهو أحد الشيءين ، وإنّما جاء التعميم من النهي الّذي فيه معنى النفي ، والنكرة في سياق النّفي للعموم ، لأنّ المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا ، أي واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى ، فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما ، فالتعميم فيها من جهة النهي الداخل ، وهي على بابها ، قال : وهو معنى دقيق.
«وبل» للإضراب ، وسيأتي الكلام فيها في حديقة المفردات. و «لا» لنفي حكم متلوّها عن تإليها ، والعطف بها ثلاثة شروط.
__________________
(١) صدره «وننصر مولانا ونعلم أنّه» ، وهو لعمرو بن برّاقة الهمداني. اللغة : الجارم : المذنب.
(٢) هو لجعفر بن علبة الحارثي. اللغة : الرماح : جمع الرمح وهو القناة ، أشرعت : شدّدت وصوّبت إلى جهة العدو ، السلاسل : جمع سلسلة بمعنى حلقات ونحوها يتصل بعضها ببعض.