بالظاهر ، نحو : مررت بك نفسك وزيد ، وهو مع مخالفته القياس ليس بمسموع ، وذهب الكوفيّون ويونس والأخفش إلى عدم وجوب ذلك مطلقا ، ووافقهم أبو على الشلوبين ، وصحّحه ابن مالك وأبو حيّان ، وجرى عليه ابن هشام في بعض كتبه لثبوت ذلك في فصيح الكلام. قال ابن مالك في خلاصة [من الرجز] :
٥٦٤ ـ وعود خافض لدي عطف على |
|
ضمير خفض لازما قد جعلا |
وليس عندي لازما إذ قد أتي |
|
في النّثر والنّظم الصّحيح مثبتا (١) |
وقال في شرح الكافية : من مؤيّدات الجواز قوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة / ٢١٧] ، فجرّ المسجد بالعطف على الهاء لا بالعطف على سبيل لاستلزامه الفصل بالأجبنيّ بين جزئي الصلة ، وتوقّي هذا المحذور حمل أبا على الشلوبين على موافقة الكوفيّين في هذه المسألة ، وقد غفل الزمخشريّ وغيره عن هذا.
ومن مؤيّدات الجواز أيضا قراءة حمزة : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء / ١] بخفض الأرحام ، وهي أيضا قراءة ابن عباس والحسن البصري ومجاهد (٢) وقتادة والنخعيّ (٣) والأعمش ويحيى بن وثاب (٤) وأبي رزين (٥) ، مثل هذه القراءة قول بعض العرب : ما فيهما غيره وفرسه ، رواه قطرب بجرّ فرسه ، ومثله ما أنشده سيبويه من قول الشاعر [من البسيط] :
٥٦٥ ـ فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٦) |
انتهى.
وقال ابنه في شرح الخلاصة : لا يبعد أن يقال في هذه المسألة : إنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض غير جائز في القياس ، وما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجارّ ، كما أضمر في مواضع آخر ، نحو : ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة ، وكقولهم : امرر ببني فلان إلا صالح فطالح ، وقولهم : بكم
__________________
(١) البيتان موجودان في ألفية وشرح ابن عقيل في المجلّد الثاني ص ٢٣٩.
(٢) مجاهد بن جبر ، تابعي ، مفسّر من أهل مكّة ، شيخ القرّاء والمفسّرين ، مات وهو ساجد سنة ١٠٤ ه ق. الأعلام للرزكلي ، ٦ / ١٦١.
(٣) علقمة بن قيس بن عبد الله من أكابر الفقه والحديث وقاري القرآن ، توفّي سنة ٦١ ه ق. محمد على مدرس تبريزي ، ريحانة الأدب ، المجلد السادس ، الطبعة الرابعة ، منشورات خيام ص ١٥٦.
(٤) يحيي بن وثاب الكوفيّ مولي بني كاهل من بني أسد بن خزيمة ، توفّي بالكوفة سنة ١٣٠ ه ق ، وله قراءة. النديم ، الفهرست ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٦ ه ، ص ٤٨.
(٥) محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين ، إمام في القراءآت ، عالم في العربية ، من كتبه : الجامع في القراءات ، مات سنة ٢٥٣ ه ق. الأعلام للرزكلي ٧ / ٢١٣.
(٦) لم يعين قائله.