وممّا لا يحسن ما رواه البخاريّ في صحيحه من قوله (ص) كنت وأبو بكر وعمر (١).
ولذلك قيل : هو مروى بالمعنى ، وقول بعضهم : مررت برجل سواء والعدم ، فسواء صفة لرجل ، وهو بمعنى مستو ، وفيه ضمير مستتر يعود على رجل ، والعدم معطوف على ضميره ، ولا يقاس على هذا خلافا للكوفيّين.
وأفهم تقييد المسألة بالضمير أنّ العطف على الظاهر بظاهر أو ضمير جائز بدون فاصل ، وبالمتّصل أنّ المنفصل مرفوعا كان أو منصوبا كالظاهر في جواز العطف عليه كما ذكر ، نحو : إيّاك والأسد ، وبالمرفوع أنّ المتّصل المنصوب يحسن العطف عليه وإن لم يفصل ، لأنّه لا يترّل مترلة الجزء كالمرفوع ، فيعطف عليه الظاهر ، نحو : (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) [المرسلات / ٣٨] ، والمضمر نحو : رأيته وإيّاك ، كما يعطف على الظاهر كذلك ، نحو : رأيت زيدا وعمرا ، ورأيت زيدا وإيّاك ، ومنع الأبذيّ في الأخيرة لإمكان الاتّصال نحو : رأيتك وزيدا مردود بقوله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) [النساء / ١٣١].
هذه «تتمّة» لما ذكره من أحكام العطف ، «ويعاد الخافض» وجوبا ، حرفا كان أو اسما «على المعطوف على ضمير مجرور ، نحو : مررت بك وبزيد» ، وقوله تعالى : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ) [البقرة / ١٣٣] ، وإنّما وجب ذلك ، لأنّ اتّصال الضمير المجرور بجارّه أشدّ من اتّصال الفاعل المتّصل ، لأنّ الفاعل إن لم يكن ضميرا متّصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جارّه ، سواء كان ضميرا أو ظاهرا ، فكره العطف عليه ، إذ يكون العطف على بعض حروف الكلمة ، فمن ثمّ لم يجز إذا عطف الضمير على المجرور إلا إعادة الجارّ أيضا ، نحو : مررت بزيد وبك ، والمال بين زيد وبينك.
وليس للمجرور ضمير منفصل حتى يؤكّد به أوّلا ، ثمّ يعطف عليه ، كما عمل في المرفوع المتّصل ، فلم يبق إلا إعادة الخافض ، ولا يعاد الخافض الاسميّ إلا إذا لم يشكّ أنّه لم يجلب إلا لهذا الغرض ، وأنّه لا معنى له كما في قولنا : بينك وبين زيد ، إذ لا يمكن أن يكون هنا بينان ، بين بالنسبة إلى زيد وحده ، وبين آخر بالنسبة إلى المخاطب وحده ، لأنّ البينيّة أمر يقتضي طرفين ، فعرفنا أنّ تكرير الثاني لهذا الغرض فقط ، فإن ألبس ، نحو : جاءني غلامك وغلام زيد ، وأنت تريد غلاما واحدا مشتركا بينهما لم يجز ، بلي يجوز لو قامت قرينة دالّة على المقصود ، قاله الرضي (ره).
ووجوب إعادة الخافض في ذلك مذهب البصريّين ، وذهب الجرميّ والزياديّ إلى عدم وجوبه إن أكّد الضمير بالمنفصل ، نحو : مررت بك أنت وزيد ، والفرّاء إن أكّد
__________________
(١) صحيح البخاري ، ٣ / ٦٩ ، رقم ١٧٩.