ظاهر كلام كثير من النحاة جوازه ، ولا خلاف بين الفريقين ، لأنّه عند من جوّزه يجوز لغة ، ولا يجوز بلاغة ، انتهى.
وممّا اختلف في جوازه من تخالف المتعاطفين عطف الماضي على المضارع وبالعكس ، فمنعه الجمهور إلا إذا اتّفقا زمانا ، كقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود / ٩٨] ، وقوله : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان / ١٠].
وأجازه الرضيّ مطلقا ، قال : يجوز لم يقعد ولا يقعد غدا وبالعكس ، وهو ظاهر عبارة ابن مالك في الخلاصة ، وهو الحقّ. فإن قلت : الأمثلة المذكورة ليست من عطف الفعل على الفعل ، بل من عطف جملة على جملة ، قلت : أجيب بأنّه لمّا كان الغرض أنّما هو عطف الفعل لاتّحاد فاعل الفعلين صحّ كونها من عطف الفعل.
«ولا يحسن العطف على» الضمير «المرفوع المتّصل بارزا» كان «أو مستترا» ، لأنّه لمّا كان كالجزء ممّا اتّصل به لفظا من حيث إنّه متّصل لا يجوز انفصاله ، ومعنى من حيث إنّه فاعل ، وهو كالجزء من الفعل ، فلو عطف عليه كان كالعطف على بعض حروف الكلمة ، كرهوا العطف عليه ، فلم يستحسنوه «إلا مع الفصل» بينه وبين تابعه بتوكيده بالضمير «المنفصل» ، ليكون كأنّه معطوف عليه في الصورة ، وإن كان العطف في الحقيقة على المتّصل.
«أو مع فاصل ما» أي فاصل كان «أو» مع «توسّط» لا النافية «بين العاطف» وهو الواو «والمعطوف» ، فيكتفي بذلك عن الفصل بين المتعاطفين ، ولم يلتزموا التأكيد مع ذلك للطول الّذي يكسر من صورة العطف ، ومثّل للثلاثة نشرا على ترتيب اللّف ، فقال : «نحو جئت أنا وزيد» ، فزيد معطوف على التاء ، وهو ضمير مرفوع متّصل بارز ، وحسن العطف للفصل بينهما بالضمير المنفصل ، ونحو : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة / ٣٥] ، ومثله الفصل بتوكيد معنويّ كقوله [من الوافر] :
٥٦٣ ـ ذعرتم أجمعون ومن يليكم |
|
برؤيتنا وكنّا الظافرينا (١) |
ونحو قوله : (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) [الرعد / ٢٣] ، فمن صلح معطوف على الواو في يدخلون ، وحسن لوجود الفاصل بينهما ، وهو الها ، وقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام / ١٤٨] ، فآباؤنا معطوف على نا ، وهو حسن لتوسّط لا بين العاطف وهو الواو ، والمعطوف وهو آباؤنا.
__________________
(١) لم أجد البيت.