قال الرضيّ : ويلزمه تجويز مثل قولنا : زيد خرج غلامه وعمرو أخوه ، وإنّ زيدا خرج وبكرا أخوه ، لاستواء أوّل الكلام وأخره ، وهو لا يجيزه ، وعلّله ابن الحاجب بأنّ الّذي ثبت في كلامهم ووجد بالاستقراء من العطف على معمولي عاملين هو المضبوط بالضابط المذكور ، فوجب أن يقتصر عليه ، ولا يقاس عليه غيره ، إذ العطف على معمولي عاملين مختلفين مطلقا خلاف الأصل ، فإن اطّرد في صورة معيّنة دون غيرها لم يقس عليها ، انتهى.
ولم يلزمه ما لزم الأعلم من تجويز الصورتين المذكورتين ، لكنّه يبقى الإشكال عليه في علّة تخصيصهم للصورة المعيّنة بالجواز دون غيرها ، وإذا كان العطف على معمولي عاملين مختلفين مخالفا للأصل فهلّا تأوّلوها كما تأوّلها (١) المانعون مطلقا حتى لا يكون تحكّما.
القول الثاني : الجواز مطلقا حكاه الفارسيّ عن جماعة وابن الحاجب عن الفرّاء ، وتمسكوا بقوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.) [الجاثية / ٥ و ٤ و ٣].
آيات الأولى منصوبة إجماعا ، لأنّها اسم إنّ ، والثانية والثالثة قرأهما حمزة والكسائيّ بالنصب ، والباقون بالرفع ، والتمسّك بالقراءتين في آيات الثالثة ، أمّا الرفع فعلى نيابة الواو مناب الابتداء وفي ، وأمّا النصب فعلى نيابتها مناب إنّ وفي ، وبقول الشاعر [من المتقارب] :
٥٦٦ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقّد باللّيل نارا (٢) |
أقام الواو مقام كلّ وتحسبين وبقولهم : ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة بنيابتها مناب كلّ وما ، وهذا كما تراه لا يدلّ على المطلوب بتمامه ، فإنّهم لم يفرّقوا بين تقدّم المجرور وتأخّره ، والآية والبيت والمثل المجرور فيها متقدّم.
الثالث : المنع مطلقا ، وهو قول سيبويه والمبرّد وابن السراج وهشام وجماعة من متقدّمي البصريّين ، وصحّحه ابن مالك ، وعلّلوه بأنّ العاطف نائب عن العامل ، وهو ضعيف من جهة حرفيّته ، ومن جهة نيابته ، فلم يقو أن يقوم مقام عاملين ، وتأوّلوا ما أوهم الجواز ، فتأوّلوا الآية بتقدير في ، فالعمل لها ، وإنّما نابت مناب عامل واحد ، وهو
__________________
(١) سقط كما تأولها في «ح».
(٢) البيت لأبي دواد الإيادي ، واسمه جارية بن الحجاج.