وفي الإفصاح (١) أنّ المبرّد يفسّر عامّة بأكثر لا بجميع ، فعلى هذا تكون بدل بعض من كلّ لا توكيد ، وتفيد تخصيصا لا تعميما ، وقد يكون جميع بمعنى مجتمع ضدّ مفترق ، فلا تفيد توكيدا كقوله [من الطويل] :
٥٨٠ ـ ... |
|
نهيتك عن هذا وأنت جميع (٢) |
«وقد يتبع» عند إرادة تقوية التوكيد «كلّ بأجمع وأخواته» وهي أكتع وأبصع حال كونها مطابقة للمؤكّد في التذكير والتأنيث والإفراد والجمع ، فيقال : اشتريت العبد كلّه أجمع أكتع أبصع أتبع ، والأمة كلّها جمعاء كتعاء بصعاء بتعاء ، وجاء القوم كلّهم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون ، والنساء كلّهنّ جمع كتع بصع بتع.
وأمّا التثنية فقضية إطلاقه أنّها تطابقه فيها أيضا ، وهو مذهب الأخفش والكوفيّون. قال ابن خروف : ومن منع التثنية فقد تكلّف ، وادّعى ما لا دليل عليه ، والمنع مذهب جمهور البصريّين. قال ابن هشام : وهو الصحيح ، لأنّه لم يسمع ، وفي الهمع ، وممّا لا يثنّى لتعريفه أجمع وجمعاء في التوكيد وأخوته خلافا للكوفيّين.
تنبيهات : الأوّل : الجمهور على أنّه لا يؤكّد بأجمع دون كلّ اختيارا ، كما قال أبو حيّان : جوازه لكثرة وروده في القرآن والكلام الفصيح ، كقوله تعالى : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر / ٣٩] (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر / ٤٣] ، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود / ١١٩].
وفي الحديث : فله سلبه أجمع ، فصلّوا جلوسا أجمعين (٣). قال أبو حيّان : ولا يقال : دليل المنع وجوب تقديم كلّ عند الاجتماع ، لأنّ النفس يجب تقديمها على العين إذا اجتمعا ، ويجوز التأكيد بالعين على الانفراد ، قاله في الهمع.
الثاني : لا يؤكّد بأخوات أجمع دونه عند الجمهور ، وجوّزه الكوفيّون وابن كيسان محتجّين بقول الشاعر [من الطويل] :
٥٨١ ـ ... |
|
وسائره باد إلى الشّمس أكتع (٤) |
وقول الراجز [من الرجز] :
__________________
(١) هناك كتابان باسم الإفصاح حول النحو : الأوّل الإفصاح في غوامض الإيضاح لأبي الحسن الفارسيّ ، والثاني الإفصاح في إعراب الكافية لواحد من علماء الدولة المرادية. كشف الظنون ١ / ٢١٣ و ٢ / ١٣٧٣.
(٢) صدره «فقدتك من نفس شعّاع فإنّني» ، وهو لقيس بن معاذ وهو مجنون بني عامر.
(٣) سنن أبي داود ، ص ٤٩٦ ، رقم ٢٦٥٤.
(٤) صدره «ترى الثور فيها مدخل الظّل رأسه» ، ولم يسمّ قائله. اللغة : باد : اسم الفاعل من بدا ا بمعنى ظهر.