وذهب الكسائيّ وهشام إلى أنّ بدل البعض لا يقع إلا على ما دون النصف ، ولا يسمّى أكلت الرغيف نصفه أو ثلثه أو أكثره ، بدل بعض عندهما ، ولا بدّ في هذا البدل من اتّصاله بضمير يعود إلى المبدل منه ، مذكور ك بعت العبد نصفه ، أو مقدّر كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران / ٩٧] ، أي منهم ، فمن بدل بعض من الناس ، لأنّ المستطيع بعض الناس لا كلّهم ، وقال ابن برهان : بدل الكلّ ، والمراد بالناس المستطيع ، فهو عامّ أريد به خاصّ ، لأنّ الله لا يكلّف الحجّ من لا يستطيع.
تنبيه : التعبير بلفظ البعض والكلّ بإدخال أل عليها وقع في كلام كثير ، وقد استعملهما الزجاجيّ في جملة ، كذلك واعتذر عنه بأنّه تسامح فيه موافقة للناس ، قال بعض الأئمة : لا يجوز إدخال أل عليها عند الجمهور. قال ابن خالويه في كتاب : يغلط كثير من الخواصّ بإدخال أل على كلّ وبعض ، وليس من لغة العرب ، لأنّهما معرفتان في نيّة الإضافة ، وبذلك نزل القرآن ، وعن الأصمعيّ أنّه قال : قرأت آداب المقفع فلم أر فيه لحنا إلا قوله : العلم أكثر من أن يحاط بالكلّ منه ، فاحفظوا البعض ، قال : وذلك خطأ ، لأنّهما معرفتان ، لا تدخلهما ال ، قال : ومثل ذلك قبل وبعد ، انتهى.
والجواز مذهب الأخفش والفارسيّ : ومن الغريب ما وقع في الكتاب الهادي الشادي (١) نقلا عن الأزهري أنّ النّحويّين أجازوا إدخال الألف واللام في بعض وكلّ ، وإن أباه الأصمعيّ ، وإنّما أباه الأصمعيّ لأنّ مذهب العرب عدم جواز دخول الألف واللام (٢) عليهما ، لأنّها مضافان ألبتّة ، وإمّا ظاهرا وإمّا مضمرا ، انتهى.
الثالث : بدل الاشتمال ولاختلافهم فيه ، بيّنه المصنّف بقوله : وهو الّذي اشتمل عليه المبدل منه لا كاشتمال الظرف على المظروف ، بل من حيث كونه دالّا عليه إجمالا ومتقاضيا له بوجه ما ، بحيث يتشوّق السامع عند ذكر المبدل منه إلى ذكره أي ذكر البدل ، ويكون منتظرا له ، فجئ هو مبيّنا وملخّصا لما أجمل أوّلا نحو : قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة / ٢١٧] ، فقتال بدل اشتمال من الشهر لاشتماله عليه بالمعنى المذكور ، فالمشتمل هو الأوّل ، وهو مذهب الفارسيّ والرمانيّ وخطاب ابن مالك.
__________________
(١) الهادي الشادي في النحو لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني المتوفى سنة ٥١٨ ه ق. كشف الظنون ، ٢ / ٢٠٢٦.
(٢) سقطت هذه العبارات في «س».