واختلف في تعليله فقال ابن جعفر (١) : لأنّه مشتمل على الثاني بالمعنى المذكور ، وردّه بعض المتأخّرين بأنّ قولك : سلب زيد ثوبه ، ليس زيد فيه مشتملا على الثوب ، لأنّه لا يدلّ عليه ، ولا يتقاضاه ، كما ذكر في تعريفه ، انتهى. قلت : ليس المراد بكونه يدلّ عليه ويتقاضاه دلالة صريحة ، بل المراد إنّا إذا قلنا : سلب زيد ، دلّ على أنّه سلب شيء ، فهو يتقاضي ذلك المسلوب ، فيتشوّق السامع إلى ذكره إلى أن يجىء مبيّنا له وملخّصا ، فافهم.
وقال الجزوليّ : لأنّ الثاني إمّا صفة للأوّل ، كأعجبتني الجارية حسنها ، أو مكتسب منه صفة ، نحو : سلب زيد ماله ، فإنّ الأوّل اكتسب من الثاني كونه مالكا ، وردّه بأنّه يلزم منه أن يجيز ضربت زيدا عبده على الاشتمال ، وهم قد منعوا ذلك.
قال أبو حيّان في التذكرة (٢) ، وقال طائفة : ووقع لأبي على في الحجّة أنّ المشتمل هو الثاني قال : بدليل سرق زيد ثوبه ، وردّ بسرق زيد فرسه ، وقيل : لا اشتمال لأحدهما على الآخر ، وإنّما المشتمل الإسناد على الأوّل على معنى أنّ الإسناد إلى الأوّل لا يكتفي به من جهة المعنى ، وإنّما أسند إليه على قصد غيره ممّا يتعلّق به ، ويكون المعنى مختصّا بغير الأوّل ، ولهذا لا يجوز ضرب زيد عبده على الاشتمال لاكتفاء المسند بالأوّل ، وهو مذهب المبرّد ، وبه قال ابن جنيّ : وأورد عليه نحو : زيد ماله كثير ، إذا أعرب ماله بدلا من زيد إلا أن يقال : الابتداء مشتمل على زيد مجازا وعلى ماله حقيقة.
وقيل : لا يتعيّن اشتمال أحدهما على الآخر ، بل تارة يكون المشتمل هو الأوّل ، نحو : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ،) وتارة يكون المشتمل هو الثاني ، نحو : سلب زيد ثوبه ، ويشكل عليه نحو : زيد ماله كثير ، إذا أعرب ماله بدلا ، كما قلنا ، فإنّه لا اشتمال فيه لأحدهما على الآخر.
وأمر هذا البدل في الضمير كما مرّ في بدل البعض ، فمثال الضمير المذكور ما مرّ ، ومثال المقدّر قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ) [البروج / ٥ و ٤] ، أي فيه أو الأصل ناره ، ثمّ نابت أل عن الضمير.
تنبيهان : الأوّل : يشكل على قول المصنّف ، وهو بدل الكلّ من الكلّ والبعض من الكلّ الاشتمال لزوم عطف جزء الاسم على جزء الاسم ، لأنّ الاسم هو المركّب الاضافيّ ، وهو بدل البعض وبدل الاشتمال ، ودفعه أنّ تقدير الكلام وبدل البعض من الكلّ وبدل الاشتمال ، فحذف جزء الاسم لانسياق الذهن إليه ، بقي أنّه هل يجوز
__________________
(١) لعلّه أحمد بن جعفر الدينوري ، أحد النحاة المبرزين ، صنّف : المهذّب في النحو ، ضمائر القرآن ومات سنة ٢٨٩ ه ق. بغية الوعاة ، ١ / ٣٠١.
(٢) التذكرة في العربية للشيخ أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة ٧٤٥ ه في أربع مجلدات كبار. كشف الظنون ، ١ / ٣٩٣.