٦١٩ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا |
|
أهدى السّلام تحيّة ظلم (١) |
فمصاب مصدر ميميّ مضاف إلى فاعله ، ورجلا مفعوله ، وجملة أهدي السّلام نعت رجلا وتحية مفعول مطلق على حدّ قعدت جلوسا ، وظلم خبر أنّ ، وظلوم اسم امراة منادي بالهمزة.
ولهذا البيت حكاية شهيرة بين أهل الأدب ذكر أبو محمد الحريرى (٢) في درّة الغواص ، وهي ما رواه أبو العباس المبرّد. قال : قصد بعض أهل الذمّة أبا عثمان المازنيّ ، ليقرأ كتاب سيبويه عليه ، وبذل له مائة دينار على تدريسه إيّاه ، فامتنع أبو عثمان من قبول بذله ، وأصرّ على ردّه. قال ، فقلت : له جعلت فداك ، أتردّ هذه النفقة مع فاقتك (٣) وشدّة إضافتك؟ فقال : إنّ هذا الكتاب يشمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله ، ولست أري إن أمكن منها ذمّيّا غيرة على كتاب الله تعالى وحميّة له ، قال فاتّفق أن غنّت جارية بحضرة الواثق (٤) بقول العرجيّ [من الكامل] :
٦٢٠ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا |
|
... (٥) |
فاختلف من بالحضرة في إعراب رجل ، فمنهم من نصبه ، وجعله اسم إنّ ، ومنهم من رفعه على أنّه خبرها ، والجارية مصرّة على أنّ شيخها أبا عثمان لقّنها إيّاه بالنصب ، فأمر الواثق بأشخاصه ، قال أبو عثمان ، فلمّا مثّلت بين يديه ، قال : ممّن الرجل؟ قلت : من بني مازن ، قال أي الموازن؟ أمازن قيس أم مازن ربيعة؟ قلت : من مازن ربيعة ، فكلّمني بكلام قومي ، فقال لي با اسمك؟ لأنّهم يقلبون الميم باء ، والباء ميما ، قال : فكرهت أن أجيبه على لغة قومي ، لئلّا أواجهه بالمكر. فقلت : بكري أمير المومنين ، ففطن لما قصدته ، وأعجب له ، ثمّ قال : ما تقول في وقول الشاعر [من الكامل] :
٦٢١ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا |
|
... (٦) |
أترفع رجلا أم تنصبه؟ فقلت : إنّ الوجه النصب يا أمير المومنين. قال : ولم ذلك؟
فقلت : إنّ مصابكم مصدر بمعنى أصابتكم ، فأخذ اليزيديّ في معارفتي ، فقلت ، هو بمترلة قولك : إنّ ضربك زيدا ظلم ، فالرجل مفعول مصابكم ومنصوب به ، والدليل عليه أنّ
__________________
(١) ينسب هذا البيت إلى العرجي ونسبه آخرون إلى الحارث بن خالد المخزومي. ظلوم : أصله مبالغة ظالمة ، وقد يكون باقيا على أصل معناه وهو الوصف. وقد يكون منقولا إلى اسم امراة كما اختاره المؤلف. اللغة : مصابكم : مصدر ميمي بمعنى الإصابة.
(٢) أبو محمد قاسم بن على الحريرى المتوفى سنة ٥١٦ ه ، أديب من أهل البصرة ، من أدباء بدء الانحطاط ، أشهر مؤلّفاته «المقامات» من كتبه «درّة الغواص في أوهام الخواص» بغية الوعاة ٢ / ٢٥٧.
(٣) الفاقة : الفقر والحاجة.
(٤) الواثق بالله (هارون بن المعتصم) خليفة عباسي (٢٢٧ ـ ٢٣٢ ه).
(٥) تقدم برقم ٦١٩.
(٦) تقدم برقم ٦١٩ و ٦٢٠.