إليه معا هاهنا بخلاف المحضة فلا أقلّ من أن لا تكون على ضدّ ما هي عليه ، وهو تعريف المضاف ، وتنكير المضاف إليه ، انتهى.
قلت : وإنّما يكون في هذه الإضافة تخفيف بحذف الضمير من وجهه أن لو كان الأصل الحسن وجهه لا الحسن وجها ، وأمّا إذا قلنا : إنّ الأصل الحسن وجها ، فلا تخفيف ألبتّة ، وتعيّن الأوّل دون الثاني غير ظاهر.
«واختلف في حسن وجهه» بتجريد الصفة مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف ، فسيبويه والبصريّون على جوازه على قبح في ضرورة الشعر فقط ، لأنّ تخفيف هذه الإضافة يكون بحذف التنوين وبحذف الضمير والتخفيف بحذف الضمير أعلى منه بحذف التنوين ، فلا وجه لترك الأعلى مع إمكانه واختيار الأدنى ، وما هو إلا ترجيح المرجوح. والمبرّد على منعه مطلقا في الشعر وغيره ، وردّ بقول الشماخ [من الطويل] :
٦٣٠ ـ أقامت على ربعيهما جارتا صفا |
|
كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (١) |
أنشده سيبويه مستدلّا به على مجئيه في الشعر ، وضمير ربعيها يعود إلى الدمنتين ، والمراد بالجارتين صخرتان تجعلان تحت القدر ، وتشدّ القدر إلى الجبل ، وهو المعنى هنا بالصفا ، فيقوم الجبل مقام حجر ثالث للقدر ، والكميت الشديد الحمرة ، والجون هنا الأسود ، والمصطلى مصدر ميميّ على أنّ ثمّ مضافا محذوفا ، أي موضع اصطلاهما ، أو اسم مفعول واقع موقع المثنّى كما في رأس الكبشين. والمعنى أنّ تينك الصخرتين محمّرتا الأعإلى بما يرتفع إليهما من النّار مسوّدتا مكان الاصطلاء من كثرة إيقاد النار بينهما. والشاهد في البيت ظاهر ، ونازع فيها المبرّد زاعما أنّ ضمير مصطلاهما عائد إلى الأعالي ، إذ هي جمع في معنى المثنّى من حيث إنّه للجاريتين ، وليس لهما إلا أعليان ، وإنّما جمعا بما حولهما كقوله [من الوافر] :
٦٣١ ـ ... |
|
روانف اليتيك وتستطارا (٢) |
والألف في تستطارا راجع إلى الروانف ، لأنّه رانفتين ، وهما أسفلا الإلية وطرفاها اللذان يليان الأرض من الإنسان إذا كان قائما ، فكأنّه قال : جونتا مصطلى الأعالي : فليس فيه إلا ضمير واحد ، وهو المستكن في جونتا. فهو كقولك : زيد حسن الغلام
__________________
(١) اللغة : الربع : الدار المترل ، الصفا : الصخر الأملس ، واحدة صفاة ، كميتا : مثنى كميت بالتصغير من الكمتة ، وهي الحمرة الشديدة المائلة إلى السواد ، الجونة : السوداء ، المصطلي : اسم مكان الصّلاء ، أي : الاحتراق بالنار.
(٢) صدر البيت : «ومتى ما تلقني فردين ترجف» ، وهو لعنترة. اللغة : روانف : جمع الرانفة بمعنى أطراف الإليتين. الإلية : العجيزة. تستطار : بمعنى يطلب منك أن تطير خوفا وجبنا.