عدّوا هذا من الشواذّ ، وعليه جرى المصنّف ، فأطلق المنع من بنائه من نحو ذلك ، وسيصرّح بشذوذ أحمق منه تصريحا.
تنبيه : بقي على المصنّف شرطان آخران ، أحدهما : أنّه لا يبنى إلا من فعل مثبت ، فلا يبنى من منفيّ ، سواء كان ملازما لنفي نحو : ما عاج بالدواء ، أي ما انتفع به ، ومضارعه يعيج أو غير ملازم ، نحو : ما عاج : أي ما مال ، ومضارعه يعوج ، فلا يقال : زيدا أعوج من عمرو ، لئلا يلتبس المنفيّ بالمثبت ، وما حكمت به من أنّ عاج الأولى ملازمة للنفي ، هو ما جزم به ابن مالك في التسهيل ، وابن هشام في التوضيح. واعترض بأنّه قد جاء في الإثبات ، قال أبو على القإلى (١) في نوادره : أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي [من الطويل] :
٦٣٩ ـ ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه |
|
ولا مشربا أروى به فأعيج (٢) |
الثاني : إنّه لا يبنى من مبنيّ للمفعول ، سواء كان ملازما للبناء ، أم لا كضرب ، ومن الأوّل زهي علينا بمعنى تكبّر ، وعني بحاجته ، وشذّ : هو أزهى من ديك وأعنى بحاجتي ، قاله في الأوضح ، وانتقد شارحه الأوّل بأنّ ابن دريد حكى زها يزهو ، أي تكبّر ، والثاني بأنّه سمع فيه عني كرضي بالبناء للفاعل.
صوغ اسم التفضيل ممّا لم يستوف الشروط : «فإن فقد شرط» من الشروط المتقدّمة لبناء أفعل التفضيل ، «توصل» إلى التفضيل «بأشدّ ونحوه» ممّا يدلّ على الشدّة والضعف أو الزيادة أو النقص أو الكثرة أو القلّة أو الحسن أو القبح على حسب تفاوت المقاصد ، ويجاء بعد أشدّ أو نحوه بمصدر الممتنع تمييزا عن نسبة إلى المفضّل فيقال : زيد أشدّ دحرجة ، وأحسن بياضا منه ، وأقبح عورا منه.
قال الدمامينيّ : كذا قال الجماعة ، ويظهر لي أنّ هذا ليس بمساو للعرض من التفضيل ، وذلك أنّ هذا يقتضي اشتراك زيد وعمرو في شدّة الدحرجة وحسن البياض مثلا ، وأنّ زيدا زاد عليه في ذلك ، والغرض أنّما هو التفضيل عليه في مطلق الدحرجة والبياض ، لا في شدّة الدحرجة وحسن البياض فتأمّله ، انتهى.
قال بعض المتأخّرين : تأمّلت ما قاله في وجه عدم المساواة ، فوجدته أنّما يتمّ على تقدير أن يكون نحو : أشدّ في مثل زيد أشدّ دحرجة مسوقا لغرض إفادة الاشتراك في
__________________
(١) اسماعيل بن القاسم أبو على البغدادي المعروف بالقإلى ، كان أعلم الناس بنحو البصريّين ، وأحفظ أهل زمانه لللغة ، وأرواهم للشعر الجاهلي ، صنّف : الأمالي ، النوادر البارع في اللغة ، مات سنة ٥٠٦ ه. المصدر السابق ١ / ٤٥٣.
(٢) لم ينسب البيت إلى قائل معين. اللغة : أعيج : من «عاج يعيج» بمعنى انتفع.