أوّلا أنّه لا يكون كلاما باعتبار المرّة الثانية ، لأنّه لم يفده علم ما لم يكن يعلم ، فيكون الشيء الواحد كلاما بحسب إفادته السامع ، انتهى.
قوله : «بالإسناد» وهو ضمّ إحدى الكلمتين إلى الأخرى ليفيد المخاطب فائدة تامّة ، والباء للسببيّة ، أو الاستعانة أو الإلصاق أو المصاحبة ، متعلّقة بالمفيد ، أو صفة مصدرة ، أي إفادة متلبّسة به ، وذكره من قبيل التصريح بما علم التزاما لأنّ المفيد بالمعنى المذكور مستلزم للإسناد ، لكن لما كانت دلالة الألتزام مهجورة في التعريف صرّح به ، اذ المقصود من الحدّ بيان الماهيّة ، وهي لا تعرف إلا بذكر جميع أجزائها تصريحا ، وقد يقال : إنّه احترز به عن مثل : غلام زيد عمرو ، على سبيل التعداد ، إذ لا خفاء في أنّه لفظ مفيد. مع أنّه ليس بكلام قطعا ، فتأمّل.
واعتبر بعضهم في الكلام القصد ، أي قصد المتكلّم إفادة السامع لإخراج كلام النائم ونحوه ، فإنّه عار عن القصد ، وقد يمنع كون ذلك ليس بكلام كما صحّحه أبو حيّان. ولو سلم فلا حاجة إلى التصريح بالقصد كما في التصريح ، لأنّ حسن سكوت المتكلّم يستدعي أن يكون قاصدا لما تكلّم به ، أو لأنّ ما خرج به ، قد خرج بقيد الإفادة. واعتبر بعضهم إتّحاد الناطق أيضا احترازا من أن يصطلح شخصان ، على أن يذكر أحدهما اسما أو فعلا ويذكر الآخر خبر المبتدأ أو فاعل الفعل. قال ابن مالك : وهذا غير محتاج إليه لوجهين ، أحدهما : أنّه كما لا يعتبر اتّحاد الكاتب في كون الخطّ خطّا ، كذلك لا يعتبر اتّحاد الناطق في كون الكلام كلاما ، والثاني : أنّ كلّ واحد من المصطلحين متكلّم بكلام ، وإنّما اقتصر على كلمة واحدة اتّكالا على نطق الآخر بالأخري.
وفي الوجه الأوّل تسليم أنّ الكلام الواحد قد يصدر من اثنين ، وهو لا يتصوّر ألبتّة ضرورة كلّ كلام مشتمل على نسبة أحد طرفيه إلى الآخر ، والنسبة أمر نفسانيّ لا يقبل التجزّي ، ولا يقوم إلا بمحلّ واحد ، نبّه عليه المراديّ (١). قال بعضهم : وهذا يعني اعتبار اتّحاد الناطق لم ينقل عن نحويّ فيما نعلم ، وإنّما ذكره بعض من تكلّم في الأصول ، انتهى.
قال البدر الدمامينيّ في شرحه على التسهيل : ولا أكاد أقصي العجب من الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنويّ (٢) ، حيث ذكر هذه المسئلة في كتابه المسمّى بالكوكب الدريّ الموضوع لتتريل الفروع الفقهيّة على الأحكام النحويّة ، فرتّب على الاختلاف في
__________________
(١) الحسن بن قاسم المرادي النحويّ اللغويّ بدر الدين المعروف بابن أمّ قاسم ، وله : شرح التسهيل ، شرح المفصّل ، شرح الألفية والجني الداني في حروف المعاني. توفّي سنة ٧٤٩ ه. ق. بغية الوعاة ، ١ / ٥١٧.
(٢) الإسنويّ (جمال الدين عبد الرحيم) (ت ٧٧٢ ه) : فقيه أصوليّ وعالم بالعربية ، من كتبه «نهاية السول في شرح منهاج الأصول» و «التمهيد» و «شرح الفية ابن مالك» المصدر السابق ، ٢ / ٩٢.