أكثر استعمالا ، ويردّه أنّ الإبدال لا يغيّر حكم المهمل ، فيجعله معملا ، وأنّ المعروف أنّما هو إبدال النون ألفا لا العكس ، نحو : (لَنَسْفَعاً) [العلق / ١٥] ، (وَلَيَكُوناً) [يوسف / ٣٢].
وزعم الخليل والكساني أنّ أصلها لا وأن الناصبه ، فحذفت الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال ، كما حذفت في قولهم : ويلمه ، وأصله ويل أمّته ، والألف لالتقاء الساكنين ، هي والنون ، وحجّتهما قرب لفظهما منهما ، وأنّ معناهما من النفي والتخلّص للاستقبال حاصل فيها. وقد جاءت على الأصل في الضروره كقوله [من الوافر] :
٦٧٦ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه |
|
وتعرض دون أبعده الخطوب (١) |
أي ما أن يلاقي.
وردّه سيبويه بجواز تقديم معمول معمولها عليها ، نحو : زيدا لن أضرب ، وامتناع نحو : زيدا يعجبني أن تضرب. قال الرضيّ : وللخليل أن يقول : لا منع أن تتغيّر الكلمه بالتركيب عن مقتضاها معنى وعملا ، إذ هو وضع مستأنف ، انتهى.
والنفي بها أبلغ من النفي بلا ، فهي لتأكيد نفي الفعل المستقبل وفاقا للزمخشريّ في كشافه ومفصّله. ووافقه ابن الخباز في شرح الإيضاح ، فقال : لن لنفي المضارع على جهه التأكيد ، ووافقه الرضيّ وصاحب التبيان أيضا ، بل قال بعضهم : إنّ منعه مكابرة ، فهي لنفي إنّي أفعل ، ولا لنفي أفعل كما في لم ولما.
ادّعى الزمخشرّي في أنموذجه (٢) أيضا لتأييد النفي ، كقوله تعالى : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج / ٧٣] ، (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) [الحج / ٤٧]. قال ابن مالك : والحاصل له على ذلك اعتقاده في : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف / ١٤٣] ، أنّ الله تعالى لا يرى ، وردّ غيره بأنّه لو كانت للتأييد لم يقيّد منفيها باليوم في : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم / ٢٦] ، ولكان ذكر الأبد في : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة / ٩٥] ، تكرارا ، والأصل عدمه ، انتهى.
وهو ضعيف ، إذ للقائل بالتأييد أن يجيب عن الأوّل بأنّ قولنا : بذلك عند إطلاق منفيّها وخلوّ المقام عن مقيّداته ، وعن الثاني بأنّ ذكر الأبد ليس تكرارا باللفظ ، وهو ظاهر ولا بالمرادف ، لأنّ أبدا لا يرادف لن ، لأنّ الاسم لا يرادف الحرف كما تقرّر في غير هذا الموضع ، ولأنّ التأييد نفس معنى أبدا ، وجزء معنى لن ، وإنّما هو تصريح ودلالة بالمطابقة على ما يفهم بالتضمّن ، ولو سلم فله فائدة ، وهي دفع ما يتوهّم من أنّ
__________________
(١) هو لجابر بن رألان. اللغة : الخطوب : جمع الخطب : الأمر الشديد يترل.
(٢) النموذج في النحو للعلّامة جار الله الزمخشري المتوفى سنة ٥٨٨ ، كشف الظنون ١ / ١٨٥.