لن لمجرّد النفي بناء على استبعاد نفي تمنّي الموت منهم على جهه التأييد. قاله التقيّ الشمنيّ في شرح المغني.
ومذهب سيبويه والجمهور أنّها لنفي المستقبل ، أعمّ من أن يكون محدّدا كما في : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه / ٩١] ، أو مؤبّدا كما في : (لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الجاثية / ١٩] ، قال بعضهم : وإنكارهم اقتضاءها التأييد مناقض لقولهم هذا ، كما لا يخفي.
تنبيهان : الأوّل : ذهب جماعه منهم ابن عصفور إلى أنّ الفعل قد يخرج بعد لن إلى الدعاء كحاله بعد لا ، وأنكره الجمهور ، قالوا : بل حاله بعدها كحاله بعد سائر حرف النفي غير لا ، واختار الأوّل ابن هشام في المعنى ، قال : والحجّة في قوله [من الخفيف] :
٦٧٧ ـ لن تزالوا كذلكم ثمّ لازل |
|
... ت لكم خالدا خلود الجبال (١) |
وأما قوله تعالى : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص / ١٨] ، وقيل : منه ، وقيل : ليس منه ، لأنّ فعل الدعاء لا يستند إلى المتكلّم بل إلى المخاطب ، أو إلى الغائب ، نحو : يا ربّ لا عذّبت فلانا ، ونحو : لا عذّب الله عمرا ، انتهى.
ويردّه قوله [من الخفيف] :
٦٧٨ ـ ... ثمّ لازل ... |
|
ت لكم خالدا ... (٢) |
الثاني : ما أسلفت من ملازمة لن النصب هو المشهور ، وزعم بعضهم أنّها قد تجزم كقوله [من الطويل] :
٦٧٩ ـ ... |
|
فلن يحل للعينين بعدك منظر (٣) |
وقوله [من المنسرح] :
٦٨٠ ـ لن يخب الآن من رجالك من |
|
حرّك من دون بابك الحلقه (٤) |
قال ابن هشام : والأوّل محتمل للاجتزاء (٥) بالفتحة عن الألف للضرورة ، وسكت عن الثاني ، لأنّ الراوية فيه بكسر الباء ، كما صرّح به في موضع آخر من المغني.
وهذا البيت من جملة أبيات ، لها حكاية لطيفة ، لا بأس بإيرادها ، وهي ما رواه الحسن عن إسماعيل بن موسى عن جعفر بن محمد (ع) : قال بلغني أنّ أعرابيا دخل المدينة ، فبينما هو يجول في أزقّتها ، إذ مرّ بباب الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
__________________
(١) هو للأعشى.
(٢) تقدم برقم ٦٧٧.
(٣) صدره «أيادي سبا يا عزّ ما كنت بعدكم» ، وهو لكثير عزة. اللغة : سبا : لقب ابن يشجب ابن يعرب بن قحطان ، وأيادي سبا أي متفرقين ، أي مثل تفرّق أيادي سبا.
(٤) البيت لأعرابي يمدح بها حسين بن علي بن أبي طالب (ع).
(٥) الاجتزاء : الاكتفاء.