الكوفيّون في من وأنّى ، وقسم يجوز فيه الأمران ، وهو أين وأيّ ومتى وأيّان ، ومنع بعضهم في أيّان ، والصحيح الجواز.
الثاني : قال ابن مالك : قد تهمل إن حملا على لو كحديث : إن لا تراه فإنّه يراك (١) ، ومتى حملا على إذا كحديث البخاري : وإنّه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس (٢). قال أبو حيّان : وهذا شيء غريب.
الثالث : أسقط المصنّف من الجوازم ما ذكره بعضهم ، وهو إذا وكيفما ولو ، لأنّ المشهور في إذا أنّها لا تجزم إلا في الشعر خاصّة كقوله [من الكامل] :
٧٢٧ ـ ... |
|
وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٣) |
وفي كيفما عدم الجزم بها لعدم السماع بذلك ، وأجاز الكوفيّون الجزم بها مطلقا قياسا على غيرها ، وخصّه قوم بحالة اقترانها بما ، وأمّا لو فالأصحّ أنّها لا تجزم أصلا ، ومن أجازه خصّه بالشعر كقوله [من الرمل] :
٧٢٨ ـ لو يشأ طار به ذو ميعة |
|
... (٤) |
وقوله [من البسيط] :
٧٢٩ ـ تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت |
|
إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا (٥) |
«و» هذه الأدوات «كلّ منها يقتضي» فعلين ، يسمّى أولهما «شرطا» وهو لغة العلّامة ، سمّي به الفعل الأوّل لكونه علامة على ترتّب الثاني عليه ، ويسمّى الثاني «جزاء» وجوابا. قال أبو حيّان : والتسمية بالجزاء والجواب مجاز ، ووجهه أنّه شابه الجزاء من حيث كونه فعلا مترتّبا على فعل آخر ، فاشبه حقيقة الجزاء الّذي هو الفعل المترتّب على فعل آخر ثوابا عليه أو عقابا ، وشابه الجواب من حيث كونه لازما عن القول الأوّل ، فصار كالجواب الآتي بعد كلام السائل ، انتهى.
تنبيه : ما ذكره من أنّ هذه الأدوات جازمة للشرط والجزاء معا هو مذهب المحقّقين من البصريّين ، وعزاه السيرافيّ لسيبويه ، واختاره الجزوليّ وابن عصفور والأبذيّ. واعترض بأنّ الجازم كالجارّ ، فلا يعمل في شيئين ، وبأنّه ليس لنا ما يتعدّد عمله إلا ويختلف كرفع ونصب ، وأجيب بالفرق بأنّ الجازم لمّا كان لتعليق حكم على آخر ، عمل
__________________
(١) صحيح مسلم ١ / ٥٤ ، رقم ٥.
(٢) النسائي ، ٢١٢ ، رقم ٨٢٩.
(٣) صدره «واستغن ما أغناك ربك بالغنا» ، وهو نسب لعبد قيس بن خفاف ولحارثة بن بدر. اللغة : الخصاصة : الفقر وسوء الحال.
(٤) تمامه «لا حق الآطال نهد ذو خصل» ، نسب هذا البيت لعلقمة الفحل ولامرأة من بني الحارث. اللغة : الميعة : النشاط. لاحق الأطال : ضامر الجنبين. النهد : الكريم ، الخصل : جمع الخصلة : الشعر المجتمع.
(٥) هو للقيط بن زرارة. اللغة : تامت : تيّمت. وهو ذهاب العقل من الهوي.