وقال الفرّاء وابن درستويه : هي استفهاميّة ، دخلها معنى التعجّب ، وما بعدها خبرها ، وردّ بأنّ مثل ذلك لا يليه غالبا إلا الأسماء ، نحو : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [الواقعة / ٨] ، وما ملازمة للفعل. ونقل ابن مالك هذا القول في شرح التسهيل عن الكوفيّين ، وهو موافق لقولهم باسميّة أفعل.
والأصحّ ما ذهب إليه سيبويه والجمهور ، لأنّ قصد المتعجّب الإعلام بأنّ المتعجّب منه ذو مزيّة ، إدراكها جليّ ، وسبب الاختصاص بها خفيّ ، فاستحقّت الجملة المعبّر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصّة ، ليحصل بذلك إبهام متلوّ بإفهام ، ولا ريب أنّ الإفهام حاصل بإيقاع أفعل على المتعجّب منه ، إذ لا يكون إلا مختصّا ، فتعيّن كون الباقي وهو ما مقتضيا للإبهام.
«وما بعد الباء» من أفعل به «فاعل» لأفعل «عند سيبويه» وجمهور البصريّين «والباء زائدة» قالوا : إنّ أفعل لفظه الأمر ، ومعناه الخبر ، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة أفعل بفتح العين بمعنى صار ذا كذا ، كما قالوا : أورق الشجر ، وأزهر النبات ، وأغدّ البعير ، بمعنى صار ذا ورق وذا زهر وذا غدّة ، ثمّ غيّرت الصيغة الماضويّة إلى صيغة الأمر لأجل المبالغة ، يقولون : كن ما شئت ، إذا أرادوا المبالغة ، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر ، فزيدت الباء في الفاعل لإصلاح اللفظ بصيرورته على صورة المفعول به المجرور بالباء كامرر بزيد ، وبذلك زيادتها بخلافها في نحو : (كَفى بِاللهِ) [الفتح / ٢٨] فيجوز تركها لعدم القبح. وضعف هذا القول من أوجه :
أحدها : استعمال أفعل للصيرورة قياسا ، وليس بقياس.
الثاني : وقوع الظاهر فاعلا لصيغة الأمر بغير لام ولم يسمع.
الثالث : زيادة الباء في الفاعل ، وهو قليل ، وإنّما المطّرد عكسه.
الرابع : جعل الأمر بمعنى الماضي ولم يعهد ، وإنّما المعهود عكسه ، نحو : اتقى الله امرء فعل خيرا يثب عليه ، أي ليتّق.
وما بعد الباء «مفعول به عند الأخفش» وجماعة من الكوفيّين والبصريّين.
وهي أي الباء للتعدية أو زائدة في المفعول به كما في قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة / ١٩٥] ، ومبني هذين الوجهين على أنّ الهمزة في أفعل للتعدية أو للصيرورة ، فإن كانت للتعدية ، وهو الأولى لقلّة همزة الصيرورة ، فالياء زائدة ، ولا يجوز أن تكون للتعدية ، وإلا اجتمع حرفا تعدية.
فعلى هذا يكون أحسن ، من قولك : أحسن بزيد ، أمرا من أحسنت زيدا ، أي جعلته حسنا ، ثمّ زيدت الباء ، فقيل : أحسن بزيد ، وإن كانت للصيرورة ، كما أجازه الزجاج ،