فالباء للتعدية ، والأصل أحسن زيد ، أي صار ذا حسن ، ثمّ جئ بباء التعدية ، فقيل : أحسنت بزيد ، أي جعلته صائرا ذا حسن ، فمعنى الأمر من ذلك صيّر زيدا صائرا ذا حسن ، فالتصير مستفاد من باء التعدية ، وكونه صائرا ذا كذا مستفاد من صيغة أفعل الّتي همزتها بمعنى الصيرورة. وأفعل على هذا القول أعني كون ما بعد الباء مفعولا به أمر حقيقة ، لا بمعنى الماضي كما قال سيبويه.
وفيه ضمير كما في كلّ مثال أمر ، واختلف في مرجعه ، فقال ابن كيسان من الكوفيّين : الضمير للحسن المدلول عليه بأحسن ، كأنّه قيل : أحسن يا حسن بزيد ، أي دم به ، ولذلك كان الضمير مفردا على كلّ حال. قال الرضيّ : وفيه تكلّف وسماجة ، وأيضا نحن نقول : أحسن بزيد يا عمرو ، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة ، إلا أن يقول معنى خطاب الحسن قد انمحّي.
وقال الفرّاء من الكوفيّين والزجاج من البصريّين وابن خروف والزمخشريّ من المتأخرى ن : الضمير للمخاطب ، أي أمر لكلّ أحد بأن يجعل زيدا حسنا ، أي يصفه بالحسن ، فكأنّه قيل : صفه بالحسن كيف شئت ، فإنّ فيه منه كلّ ما يمكن أن يكون في شخص كما قال [من البسيط] :
٧٦٨ ـ وقد وجدت مكان القولي ذا سعة |
|
فإن وجدت لسانا قائلا فقل (١) |
قال الرضيّ : وهذا معنى مناسب للتعجّب بخلاف تقدير سيبويه ، وإنّما التزم إفراد الضمير على هذا القول ، لأنّه كلام جرى مجرى المثل ، والأمثال لا تغيّر كما تقدّم.
تنبيهات : الأوّل : ما ذكره المصنّف من أنّ أفعل بفتح العين وأفعل بكسرها فعلان ، هو الصحيح ، أمّا أفعل بكسر العين فأجمعوا على فعليته ، وشذّ ما ذهب إليه ابن الأنباريّ ، فقال : إنّه اسم. قال المراديّ : ولا وجه له ، وأمّا أفعل بفتح العين فالقول بفعليته مذهب البصريّين والكسائيّ من الكوفيّين للزومه مع ياء المتكلّم نون الوقاية ، نحو : ما أفقرني إلى رحمة الله ، ففتحته بناء كالفتحة في زيد ضرب عمرا ، وما بعده مفعول به وقال بقية الكوفيّين : هو اسم لقول العرب : ما أحيسنه وما أميلحه ، والتصغير من خصائص الأسماء.
وأجيب بأنّه شاذّ ، وقد مرّ الكلام على ذلك في أوّل الكتاب وعلى قولهم : ففتحته إعراب كالفتحة في زيد عندك ، وذلك لأنّ مخالفة الخبر للمبتدأ (٢) مقتض عندهم نصبه ، و
__________________
(١) البيت للمتنبي.
(٢) للانشاء «ح».