جواز الرفع في نحو قولهم : أمّا زيد فاضربه ، انتهى. قيل : وفي هذا الأخير نظر ، فإنّ اتّفاق غيرهم لا يلزمهم ، واتّفاقهم وغيرهم ممنوع ، فإنّهم يمعنون أن يقال : زيد اضربه ، انتهى.
الثاني : جواز الوقوع بتأويل قول محذوف هو الخبر ، فإذا قلت : زيد اضربه ، فالتقدير : زيد أقول لك أضربه ، أو مقول فيه اضربه ، فالجملة محكيّة ، وهو قول ابن السراج ، وإنّما التجأ إلى ذلك هربا من الوهم المقدّم ذكره.
الثالث : جواز الوقوع من غير تأويل ، وهو قول جماعة ، منهم ابن مالك والرضيّ والتفتازانيّ وابن هشام. قال ابن مالك في التسهيل : ولا يمتنع كونها طلبيّة خلافا لابن الأنباريّ ، ولا يلزم تقدير قول قبلها ، خلافا لابن السراج. لكن قال السّيّد الشريف في شرح المفتاح : إنّ التأويل هو المشهور ، وقرّره فيه ، وفي حواشيه بأن قال : لا يخفى أنّ المبتدأ إنّما وضع لينسب إليه حال من أحواله ، فيجب أن يلاحظ الخبر من هذه الحيثيّة ، ولنا أن لا ندّعي أن الخبر يجب أن يكون قائما له أو محمولا عليه بالمواطاة إيجابا أو سلبا ، حتّى ينتقص بالأمور الاعتباريّة ، وبالجمل الواقعة خبرا بصورة الاستفهام الداخل على المبتدإ ، بل يكتفي بأنّ الخبر يجب أن يكون ملفوظا من حيث إنّه حال من أحوال المبتدإ ، فإنّه كاف في إثبات ما نحن بصدده ، ويشهد لذلك ما تجده من الفرق بين زيدا ضربته ، وزيد ضربته ، فإنّ زيدا في الأوّل مفعول به ، لأنّه لم يلاحظ الفعل معه على وجه يكون حالا من أحواله ، بل إنّما ذكر لتعيين محل الضرب ، وفي الثاني مبتدأ ، لأنّه لوحظ معه الفعل من حيث إنّه حال من أحواله.
ولا شكّ أنّ نحو أضرب ، في قولك : زيدا أضربه ، ليس من أحوال زيد ، إذا جرى على ظاهره كما في قولك : اضرب زيدا ، وأمّا إذا أوّل بمقول في حقّه أضربه على معنى أنّه يستحقّ أن يؤمر بضربه ، فقد صار ملحوظا من حيث إنّه حال لزيد ، وفيه مبالغة يعرى عنها قولك : إضرب زيدا ، لأنّك هناك أمرت بضربه ، وأشرت إلى أنّه مستحقّ لذلك ، وقس عليه نحو قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص / ٦٠] ، أي مقول في شأنكم هذا الدعاء ، أي تستحقّون أن يدعى عليكم به.
وأمّا مثل أين زيد؟ ومتى القتال؟ فليس ممّا نحن بصدده لأنّ الاستفهام هنا داخل في الحقيقة على النسبة بين المبتدإ المذكور والخبر المقدّر ، لا على الخبر وحده ، إذ المعنى أزيد حصل في الدار أو السوق؟ فلا يتصوّر تقدير القول ، إذ لم تقع الإنشائيّة خبرا للمبتدإ ، وليس المعنى زيد حصل في الدار أو في السوق ، ألا ترى أنّه لو قدّر باسم الفاعل كان الاستفهام داخلا في المبتدإ حقيقة ، ولو لا هذا لما وجب تقديم الكلمة المتضمّنة للاستفهام على المبتدإ هنا بخلاف زيد أين هو؟ فإنّه لا يجب تقديم الاستفهام على زيد ،