وقال الأندلسيّ : المضارع المنفيّ بلم لا بدّ فيه من الواو ، كان مع الضمير أو لا ، قال الرضيّ : ولعلّ ذلك ، لأنّ نحو : لم يضرب ماض معنى ، كما أنّ ضرب ماض لفظا ، فكما أن ضرب لمناقضته للحال ظاهرا احتاج إلى قد المقرّبة له إلى الحال لفظا أو تقديرا ، كذلك لم يضرب يحتاج إلى الواو الّتي هي علامة الحالية لما لم يصحّ قد ، لأنّ قد لتحقيق الحصول ، ولم للنفي ، انتهى.
وذكر في التسهيل أنّ المضارع المنفيّ بما لا تغني فيه الواو عن الضمير ، وفي كلام غيره التمثيل بجاء زيد ، وما تطلع الشمس ، وأمّا المبدوّة بالماضي المثبت فإن كان تاليا ل إلا نحو : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الحجر / ١١] ، أو متلوّا بأو كقوله [من البسيط] :
٨٣٥ ـ كن للخليل نصيرا جار أو عدلا |
|
ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا (١) |
أو صلة لشرط ، نحو : لأضربنه إن أطاع وإن عصي ، لزم الضمير والخلوّ عن الواو ، أو كانت مؤكّدة ، نحو : زيد أخوك قد علمت ، تركت الواو أيضا ، وإن كان غير ذلك جازت الأوجه الثلاثة ، هذا التفضيل خلا عنه كثير من الكتب ، فاحفظه.
«ولا بدّ في الماضي المثبت من» ثبوت «قد ، ولو تقديرا» ، أي ولو كان ثبوتا مقدّرا ، أمّا المذكورة فكقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) [البقرة / ٧٥] ، وهو كثير ، وأمّا المقدّرة فكقوله تعالى : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف / ٦٥] ، ونحو : (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء / ٩٠].
هذا مذهب الفرّاء والمبرّد والفارسيّ وجماعة من محقّقي المتأخرين ، بل قيل : جميع البصريّين إلا الأخفش ، وذهب الكوفيّون والأخفش إلى أنّه لا حاجة إلى تقدير قد ، حيث تفقد لفظا لكثرة وقوع الماضويّة حالا بدون قد ، والأصل عدم التقدير لا سيّما فيما كثر استعماله ، واختاره أبو حيّان ، ووجّه بعضهم القول بأنّ قد إنّما اشترطت لتقريب الماضي من الحال ، فيصلح إذ ذاك لوقوعه حالا ، وفيه بحث سيأتي في حديقة المفردات ، إن شاء الله تعالى.
تنبيه : كلامه في لزوم قد ليس على إطلاقه بل فيه تفضيل ، وذلك أنّ الماضي إن كان تاليا ل إلا أو متلوّا بأو ، كان ترك قد أكثر من ثبوتها ، نحو : ما لقيته إلا أكرمني ، واضرب زيدا قام أو قعد. وقيل : بل الترك واجب ، وإن كان معه ضمير كان ثبوتها أكثر ، واجتماع الواو وقد حينئذ أكثر من انفراد أحدهما ، وانفراد قد أكثر من انفراد
__________________
(١) لم ينسب البيت إلى قائل معين ، اللغة : جار : ظلم ، لا تشحّ عليه : لا تحرص.