السادس : حروف الاستثناء الثلاثة ، وهي حاشا وأختاها [خلا وعدا] ، قال ابن هشام في المغني : لأنّها لتنحية الفعل عمّا دخلن عليه ، كما أنّ إلا كذلك ، وهو عكس معنى التعدية الّذي هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم ، ولو صحّ أن يقال : إنّها متعلّقة لصحّ أن يقال (١) ذلك في إلا ، وإنّما خفض بهنّ المستثني ، ولم ينصب كالمستثنى بإلا لئلّا يزول الفرق بينهنّ أفعالا وأحرفا.
قال الدمامينيّ : وفيه نظر ، لأنّه ليس المراد من إيصال حروف الجرّ معنى الفعل إلى الاسم إيصاله إليه على وجه الثبوت ، بل المراد تعليقه به على وجه الّذي يقتضيه الحرف ، وهو هنا مفيد لانتفاء معنى الفعل ، فيتعلّق به على هذا الوجه ، وقد اتّضح هو في كتابه المذكور بهذا المعنى ، حيث قال في على الاستدراكية : وتعلّق هذه بما قبلها كتعلّق حاشا بما قبلها عند من قال به ، لأنّها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، وأمّا الاستدال بأنّها بمترلة إلا ، وهي غير متعلّقة فساقط ، لأنّه لا يلزم من كون حرف بمعنى حرف آخر مساواته في جميع أحكامه ، ألا ترى أنّ إلا الّتي هذا الحرف بمعناها لا يعمل الجرّ ، وهذا الحرف يعلمه ، انتهى.
وزاد الفارسيّ والأخفش سابعا ، وهو كاف التشبيه ، فذهبا إلى أنّها لا يتعلّق بشيء كحروف الجرّ الزائدة ، وتبعهما ابن عصفور مستدلّين بأنّه إذا قيل : زيد كعمرو ، فإن كان المتعلّق استقرّ فالكاف لا تدلّ عليه بخلاف في من نحو : زيد في الدار ، وإن كان فعلا متناسبا للكاف نحو : أشبه ، فهو متعدّ بنفسه لا بالحرف ، قال ابن هشام : والحقّ أنّ جميع الحروف الجارّة الواقعة في موضع الخبر ونحوه يدلّ على الاستقرار. قال ابن الحاجب في شرح المفصل : الكاف في قولك : الّذي كزيد أخوك أوصلت معنى استقرار هذا المبهم إلى زيد على سبيل التشبيه.
«ويجب حذف المتعلّق إذا كان أحدهما» أي الجارّ والمجرور والظرف «صفة» نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة / ١٩] «أو صلة» نحو : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [الأنبياء / ١٩] «أو خبرا» نحو : زيد في الدار أو عندك ، وربّما ظهر في الضرورة كقوله [من الطويل] :
٩٠٧ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ إن يهن |
|
فأنت لدي بحبوبة الهون كائن (٢) |
وفي شرح المفصّل لابن يعيش متعلّق الظرف الواقع خبرا ، صرّح ابن جنيّ بجواز إظهاره ، وعندي أنّه إذا حذف ونقل ضميره إلى الظرف لم يجز إظهاره ، لأنّه قد صار
__________________
(١) «لصح أن يقال» سقط في «ط».
(٢) لم يذكر قائل البيت. اللغة : البحبوبة : الوسط ، الهون : الذل والهوان.