وهي ثلاثية الوضع ، وفي إعمالها مذاهب :
أحدها : أنّها لا تعمل شيئا لا في ظاهر ولا في مضمر ، وتكون حرفا مصدريّا مهملا كسائر الحروف المصدريّة ، وعليه سيبويه والكوفيّون.
الثاني : أنّها تعمل في المضمر وفي الظاهر كأصلها ، نحو : علمت أنّ زيدا قائم ، وقرئ (أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) [النور / ٩].
الثالث : أنّها تعمل جوازا في مضمر لا ظاهر ، وعليه الجمهور ، قال ابن مالك : فإن قيل : ما الّذي دعا إلى تقدير اسم لها محذوف وجعل الجملة بعدها في موضع خبرها ، وهلّا قيل : إنّها ملغاة ، ولم يتكلّف الحذف ، فالجواب أنّ سبب عملها الاختصاص بالاسم ، فمادام الاختصاص ينبغي أن يعتقد أنّها عاملة وكون العرب تستقبح وقوع الأفعال بعدها إلا بفصل ، انتهى.
وقد تقدّم لإعمالها تعليل آخر غير هذا في بحث المضمرات ، ثمّ الجمهور على أنّه يلزم أن يكون ذلك الضمير المحذوف ضمير شأن ، واختاره ابن الحاجب وابن هشام في القطر ، والأصحّ عدم لزوم ذلك ، وهو مذهب سيبويه وجماعة ، واختاره ابن مالك ، فمتى أمكن عوده إلى حاضر أو غائب معلوم كان أولي ، ولذا قدّر سيبويه في : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [الصافات / ١٠٥ و ١٠٤] أنّك ، ولا يكون خبرها ، إلا جملة ، إمّا اسميّة مجرّدة صدرها المبتدأ ، نحو : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس / ١٠] ، أو الخبر كقوله [من البسيط] :
٩١٣ ـ ... |
|
أن هالك كلّ من يحفي وينتعل (١) |
أو مقرونة بلا نحو : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [هود / ١٤] ، أو بأداة شرط نحو : (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) [النساء / ١٤٠] أو بربّ كقوله [من الطويل] :
٩١٤ ـ تيقّنت أن ربّ امريء خيل خائنا |
|
أمين وخوّان يخال أمينا (٢) |
أو فعلية ، فإن كان فعلها جامدا أو دعاء لم يحتج إلى اقتران بشيء ، نحو : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم / ٣٩] ، (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) [النور / ٩] ، وإن كان متصرّفا غير دعاء قرن غالبا بنفي ، نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه / ٨٩] ، (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة / ٣] ، (أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) [البلد / ٧] ، وبلو نحو :
__________________
(١) صدره : «في فتية كسيوف الهند قد علموا» ، وهو للأعشى. اللغة : الفتية : جمع الفتى ، يحفي : يمشي بلا نعل ، ينتعل : يلبس النعل.
(٢) لم يذكر قائله.