قال ابن هشام : وقول الكوفيّين عندي أوجه ، لأنّك إذا قلت : كتبت إليه أن قم ، فليس قم نفس كتبت ، كما أنّ الذهب نفس العسجد في قولك : هذا عسجد أي ذهب ، ولهذا لو جئت بأن مكان أي لوجدت الطبع غير قابل له ، انتهى.
واعترضه الدمامينيّ بأنّه فهم أنّ الجماعة أرادوا أنّ قم في المثال المذكور تفسير لكتبت نفسه ، فأبطله بتغايرهما ، وليس الأمر كما فهم ، إنّما التفسير لمتعلّق كتبت ، وهو الشيء المكتوب ، وقم هو نفس ذلك الشيء.
قال الرضيّ : وأن لا تفسّر إلا مفعولا مقدّر اللفظ دالّا على معنى القول كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) [الصافات / ١٠٤] ، فقوله : يا إبراهيم تفسير لمفعول ناديناه المقدّر ، أي ناديناه بلفظ هو قولنا : يا ابراهيم (١) ، وكذلك قولك : كتبت إليه أن قم ، أي كتبت إليه شيئا هو قم ، فأن حرف دالّ على أنّ قم تفسير للمفعول المقدّر لكتبت ، وقد يفسّر المفعول به الظاهر كقوله تعالى : (أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى * أَنِ اقْذِفِيهِ) [طه / ٣٩ و ٣٨] ، وأجاب عنه الشمنيّ بما يطول ذكره.
«و» الرابع : أن تكون «زائدة» ، وهي حرف ثنائيّ بسيط مركّب من الهمزة والنون فقط ، وذهب بعضهم إلى أنّها هي المثقّلة خفّفت ، فصارت مؤكّدة ، قال أبو حيّان : ولا تفيد عندنا غير التأكيد ، وزعم الزمخشريّ أنّه ينجرّ مع إفادة التوكيد معنى آخر ، فقال في قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) [العنكبوت / ٣٣] ، دخلت أن في هذه القصّة ، ولم تدخل في قصّة إبراهيم في قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً) [هود / ٦٩] ، تنبيها وتاكيدا في أنّ الإساءة كانت تعقب المجيء ، فهي مؤكّدة للاتصال واللزوم ، ولا كذلك في قصة إبراهيم ، إذ ليس الجواب فيه كالأوّل.
وقال الأستاذ أبو علي : دخلت منبّهة على السبب ، وأنّ الإساءة كانت لأجل المجيء ، لأنّها قد تكون للسبب في قولك : جئت أن تعطي ، أي للاعطاء ، قال أبو حيّان : وهذا الّذي ذهب إليه كبراء النّحويّين.
و «تقع» أن الزائدة «غالبا بعد لمّا» الوجوديّة ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) [يوسف / ٩٦] ، وبين لو وفعل القسم مذكورا كان كقوله [من الطويل] :
٩١٨ ـ فأقسم أن لو التقينا وأنتم |
|
لكان لكم يوم من الشّر مظلم (٢) |
أو متروكا كقوله [من الوافر] :
٩١٩ ـ أمّا والله أن لو كنت حرّا |
|
وما بالحرّ أنت ولا العتيق (٣) |
_________________
(١) من الآية حتّى هنا سقط في «ح».
(٢) تقدم برقم ٩٠٢.
(١) من الآية حتّى هنا سقط في «ح».