قال ابن الحاجب في شرح المفصّل : فلا يجوز في سعة الكلام إن زيد قائم ، لأنّه ضمير منصوب (١) ، فلا يجوز أن يستتر ، وليس الموضع موضع حذف فيحذف. وقد جاء في الشعر محذوفا لا مستترا ، لأنّ الحرف لا يستتر فيه ، وفرق بين المحذوف والمستتر ، انتهى.
وإنّما قال : وليس الموضع موضع حذف لما مرّ من أنّه لا دليل عليه ولعدم ملائمته الاختصار ، إذ المقصود من الكلام المصدّر به التعظيم والتفخيم ، فلو حذف فات المقصود منه ، وخالف الأكثر فأجازوا حذفه في السعة من غير ضعف.
قال الرضيّ (ره) : وإنّما جاز حذف الشأن من دون ضعف لبقاء تفسيره ، وهو الجملة ، ولأنّه ليس معتمد الكلام ، بل المراد به التفخيم فقط ، فهو كالزائد ، وقال ابن مالك : يجوز حذف الاسم المفهوم معناه نظما ونثرا ، سواء كان ضمير شأن أو غيره ، ووقوع ذلك في الشعر أكثر ، وقلّ ما يكون المحذوف إلا ضمير شأن ، انتهى.
وقضية عبارة المصنّف أنّ المحذوف لا يكون إلا ضمير شأن ، وهو مذهب لبعضهم ، ثمّ حذفه ليس مختصّا بأنّ ، بل يجوز في سائر أخواتها كما تقدّم.
«و» الثاني أن تكون «حرف جواب كنعم» ، فيقع تصديقا للمخبر وإعلاما للمستخبر ووعدا للطالب ، فتقول : أنّ ، في جواب من قال : أقام زيد ، ومن قال : أذهب عمرو ، ومن قال : أكرم خالدا ، هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وهو الصحيح ، وأنكر أبو عبيدة وقوعها في الكلام كذلك ، وحكى الأندلسيّ عنه أنّه قال في قولهم : إنّ بمعنى نعم ، إنّهم يريدون به التأويل لا أنّه في اللغة موضوع لذلك ، قال ابن مالك : والشواهد العربية قاطعة بثبوتها كقوله [من الطويل] :
٩٣٣ ـ قالوا أخفت فقلت إنّ وخيفتي |
|
ما إن تزال منوطة برجائي (٢) |
وكقول ابن الزبير لمن قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك ، إنّ وراكبها ، أي نعم لعن الله راكبها. وجعل المبرّد والأخفش من ذلك قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه / ٦٣] ، في قراءة من قرأ بتشديد النون وإثبات الألف في هذان ، وهم من عدا ابن كثير وأبا عمرو وحفصا ، وتبع المبرّد والأخفش على ذلك جماعة ، وردّ بأمور :
أحدها : أنّ مجيء إنّ بمعنى نعم شاذّ ، حتّى قيل : إنّه لم يثبت.
الثاني : امتناع اللام ، أي لام الابتداء في خبر المبتدإ ، وقد دخلت هنا لأنّ قوله : هذان مبتدأ ، وساحران خبره ، وإنّما امتنعت لام الابتداء في الخبر ، لأنّ لها الصدر ، ووقوعها في الخبر المفرد مناف لذلك لخروجها حينئذ عن الصدر ، وأجيب عن هذا بأنّها لام
__________________
(١) سقطت «لأنّه ضمير منصوب» في «ح».
(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : المنوطة : المربوطة ، المعلّقة.