الرابع : قد تستعمل إذا مع جملتيها لاستمرار الزمان في الأحوال الماضية والحاضرة والمستقبلة ، كما يستعمل الفعل المضارع لذلك ومنه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا) [البقرة / ١١] ، (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا) [البقرة / ١٤] ، أي إنّ هذا عادتهم المستمرّة وشأنهم أبدا ، ومثله كثير.
وترد إذا «للمفاجاة فتختصّ» بالجملة «الاسميّة» على الأصحّ كما مرّ للفرق اللفظيّ بينهما بين الشرطيّة المناسبة لفعل ، ولا تحتاج إلى الجواب لعدم تضمّنها للشرط ، ولا يقع في صدر الكلام ، لأنّ الغرض من الإتيان بها الدلالة على أنّ ما بعدها حصل بعد وجود ما قبلها على سبيل المفاجاة ، فلا بدّ في حصول هذا الغرض من تقدّم شيء عليها ، ومعناها الحال لا الاستقبال ، نحو : خرجت فإذا الأسد بالباب ، ومنه : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه / ٢٠] ، (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) [يونس / ٢١] ، «والخلاف فيها كاختها» يعني إذ ، في كونها حرفا أو ظرفا ، وهل هو ظرف زمان أو مكان ، فذهب الأخفش والكوفيّون إلى أنّها حرف ، واختاره ابن مالك ، قال ابن هشام : ويرجّحه قولهم : خرجت فإذا إنّ زيدا بالباب بكسر إنّ ، لأنّ إنّ لا يعمل ما بعدها في ما قبلها ، انتهى.
وتقريره أنّ العامل هنا منحصر فيما بعد إنّ ، وإنّ لا يعمل ما بعدها في ما قبلها ، ولا عامل سواه ، فلا تكون إذا معمولة ، فلا تكون اسما ، لأنّ الاسم يستلزم المعموليّة ، وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم ، وليس فيها معنى الحدث فيكون فعلا ، فتعيّن أن تكون حرفا.
وذهب الزجاجّ والرياشيّ (١) إلى أنّها ظرف زمان ، ونسب للمبرّد ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، واختاره الزمخشريّ وابن طاهر وابن خروف وابن عصفور والشلوبين ابقاء لها على ما ثبت لها. وزعم الزمخشريّ أنّ عاملها فعل مقدّر مشتقّ من لفظ المفاجاة ، وقال : التقدير في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم / ٢٥] ، فاجأتم الخروج في ذلك الوقت. قال ابن هشام : ولا يعرف هذا لغيره ، وإنّما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو : خرجت فإذا زيد جالس أو المقدّر ، نحو : فإذا زيد ، أي حاضر ، قال : ولم يقع الخبر معها في التتريل إلا مصرّحا به.
__________________
(١) العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشيّ اللغويّ النحويّ ، قرأ على المازنيّ النحو ، وقرأ عليه المازنيّ اللغة. وكان عالما باللغة والشعر ، وصنّف : كتاب الخيل ، كتاب الإبل ، قتله الزنج بالبصرة سنة ٢٥٧ ه. بغية الوعاة ٢ / ٢٧.