ذلك ، نحو : خرجت فإذا عبد الله القائم والقائم ، فقال : كلّ ذلك بالرفع ، ولا يجوز بالنصب ، فقال له الكسائيّ : العرب ترفع كلّ ذلك ، وتنصبه ، فقال يحيى : قد اختلفتما ، وأنتما رئيسا بلديكما ، فمن يحكم بينكما؟ فقال له الكسائيّ : هذه العرب ببابك ، قد سمع منهم أهل البلدين ، فيحضرون ، ويسألون ، فقال يحيى وولده جعفر : انصفت ، فأحضرا ، فوافقوا الكسائيّ ، واستكان سيبويه ، وأقبل الكسائيّ على يحيى ، فقال : أصلح الله الأمير ، إنّه وفد إليك من بلده مؤمّلا ، فإن رأيت أن لا تردّه خائبا ، فأمره له بعشرة الآف درهم ، فخرج إلى فارس ، ويقال : كانت سبب علّته الّتي مات فيها ويقال : إنّ العرب رشوا على ذلك ، أو إنّهم علموا بمترلة الكسائيّ عند الرشيد ، ويقال : إنّهم قالوا : القول قول الكسائيّ ، ولم ينطقوا بالنصب ، وإنّ سيبويه قال ليحيى : مرهم إن ينطقوا بذلك فإنّ ألسنتهم لا تطوّع به.
وهذه حكاية عجيبة وموعظة غريبة. وللأديب أبي الحسن حازم بن محمد بن حازم (١) قصيدة طنّانة ، وهي من أفراد أدباء المغرب ، امتدح بها المنصور صاحب إفريقيّة أبا عبد الله محمد بن الأمير بن زكريّا يحيى بن عبد الواحد ، وضمنها مسائل من علم النحو ، ولعلّه أتى فيها على جميع أبوابه ، والموجود منها نحو ماتين وعشرين بيتا ، أجاد فيها نظم حكاية هذه الواقعة اللطيفة وأوّل القصيدة [من البسيط] :
٩٤١ ـ الحمد لله معلي قدر من علما |
|
وجاعل العقل في سبل الهدى علما |
ثمّ الصلاة على الهادي بسنّته |
|
محمد خير مبعوث به اعتصما |
ثمّ الدعا لأمير المومنين أبي |
|
عبد الإله الّذي فاق الحبا كرما |
خليفة خلقت أنوار عزّته |
|
شمس الضحي ونداه بخلف الديما |
سالت فواضله للمعتفي نعما |
|
صالت نواصله بالمعتدي نقما |
ومنها
مردي العداة بسهم من عزائمه |
|
كأنّه كوكب للقذف قد رجما |
أدام قول نعم حتّى إذا اطردت |
|
نعماه من غير وعد لم يقل نعما |
ومنها
يا أيّها الملك المنصور ملكك قد |
|
شبّ الزمان به من بعد ما هرما |
__________________
(١) حازم بن محمد حسن بن محمد بن خلف بن حازم ، شيخ البلاغة والأدب ، وأوحد زمانه في النحو واللغة وعلم البيان. صنف : سراج البلغاء في البلاغة : كتابا في القوافي. مولده سنة ٦٠٨ ومات سنة ٦٨٤ ، المصدر السابق ١ / ٤٩٠.