الوجه الأوّل ، لأنّ الاتّصال على هذا الوجه راجع إليها نفسها لا إلى أمر خارج عنها ، لكن هذا أنّما يتأتّي في المسبوقة بهمزة الاستفهام لا بهمزة التسوية ، فيرجّح الوجه الأوّل لشموله للنوعين.
وتسمّى أيضا معادلة ، لمهادلتها الهمزة في إفادة التسوية فيما إذا وقعت بعد همزة التسوية ، والاستفهام فيما إذا وقعت بعد همزة الاستفهام. «وتقع بعد همزة التسوية» وقد مرّ معناها نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [المنافقون / ٦] ، «والاستفهام» نحو : أزيد عندك أم عمرو؟ وأ في الدار زيد ، أم في السوق؟ والمراد وقوعها بعدهما على سبيل التناوب ، لا معا كما هو الظاهر. والفرق بين الواقعة بعد همزة التسوية (١) والواقعة بعد همزة الاستفهام من أربعة وجوه :
الأوّل والثاني : أنّ الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحقّ جوابا ، لأنّ المعنى معها ليس على الاستفهام ، وأنّ الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب ، لأنّه خبر ، وليست تلك كذلك ، لأنّ الاستفهام معها على حقيقته ، ويطلب له وبها التعيين لأحد الشيئين بحكم معلوم الثبوت ، فإذا قيل : أزيد عندك أم عمرو؟ قيل في الجواب : زيد ، أو قيل : عمرو ، ولا يقال : لا ولا نعم ، لعدم التعيين ولا تصديق ولا تكذيب مع وجود الاستفهام ، لأنّه إنشاء.
الثالث والرابع : أنّ الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين ، وتكونان فعليتين كما مرّ ، واسميّتين كقوله [من الطويل] :
٩٤٢ ـ ولست أبالي بعد فقدي مالكا |
|
أموتي ناء أم هو الآن واقع (٢) |
ومختلفين ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) [الأعراف / ١٩٣] ، والأخري تقع بين المفردين ، وذلك هو الغائب فيها كما مرّ ، وبين جملتين في معنى المفردين ، وتكونان فعليتين كقوله [من البسيط] :
٩٤٣ ـ فقمت للطّيف مرتاعا فأرّقني |
|
فقلت أهي سرت أم عادني حلم (٣) |
وذلك على الأرجح في هي من أنّها فاعل محذوف تفسّره سرت ، والتقدير : أهي سارية أم عائد حلمها ، أي أيّ هذين هي ، واسميّتين كقوله [من الطويل] :
__________________
(١) بعد همزة التسوية سقط في «ح».
(٢) هو لمتمم بن نويرة. اللغة : أبالي : المتكلّم من المبالات ، وهو الإكثرات بالشيء ، ناء : اسم فاعل من نأى بمعنى بعد.
(٣) هو لزياد بن منقذ. اللغة : الطيف : الخيال الطائف في المنام ، وأراد به هنا خيال المحبوبة المرئي في النوم ، مرتاعا حال وهو اسم فاعل من الارتياع من الروع بمعنى الخوف ، سرت : سارت ليلا ، الحلم : رؤيا النوم.