«و» الخامس : أن تكون «موصولة» ، وقد مرّ الكلام عليها فى باب الموصولات ، وأنّ ثعلب زعم أنّ أيّا لا تكون موصولة أصلا ، فليرجع إليه. «ولا يعرب من» أخواتها «الموصولات سواها» على اختلاف في اللّذان واللّتان وذو الطائفة ، وإنّما أعربت دون أخواتها ، لأنّ شبهها بالحرف في الافتقار معارض بلزومها الإضافة في المعنى ، والإضافة من خواصّ الأسماء ، فبقيت على مقتضى الأصل في الأسماء من الإعراب لسلامته من المعارض ، ولها أربع حالات.
إحداها : أن لا تضاف ، ولا يذكر صدر صلتها ، نحو : أكرم أيّا أكرمك.
الثانية : أن تضاف ، ويذكر صدر صلتها ، نحو : يعجبنى أيّهم هو قائم.
الثالثة : أن لا تضاف ، ويذكر صدر صلتها ، نحو : يعجبنى أيّ هو قائم.
الرابعة : أن تضاف ، ولا يذكر صدر صلتها ، نحو : أعجبنى أيّهم قائم.
وهي في ما عدا الحالة الرابعة معربة عند سيبويه وجمهور البصريّين ، ومبنيّة في الحالة الرابعة عندهم ، وطائفة من البصريّين قالوا بإعرابها مطلقا ، وهو قضية إطلاق المصنّف هنا ، لكن يأباه عدّها في المبنيّات مع أخواتها ، فتأمّل. وقد أسلفنا الكلام على إعرابها وبنائها مستوفيا هنالك (١).
تنبيه : لا تستعمل أيّ مقطوعة عن الإضافة لفظا ومعنى إلا في النداء والحكاية ، يقال : جاءني رجل ، فتقول : أيّ يا هذا ، وجاءني رجلان ، فتقول ، أيّان ، وجاءني رجال ، فتقول : أيّون ، وقطعها عن الإضافة فى غير هذين البابين أنّما هو بحسب اللفظ دون المعنى.
__________________
(١) حول أيّ في الآية الشريفة (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) هناك خلاف طويل بين النحاة ، وذهب سيبويه إلى أنّه مبنيّ على الضمّ لسقوط صدر الجملة الّتي هي صلته ، حتّى لو جيء به لأعرب. وبعض الكوفيّين يقرؤونها بالنصب «أيهم» وهي لغة جيّدة (الكتاب ١ / ٤٦٥). وابن مالك أيضا يقبل رأي سيبويه ويقول :
أيّ كما وأعربت ما لم تضف |
|
وصدر وصلها ضمير انحذف |
(شرح ابن عقيل ١ / ١٦١)
أي أعربت «أيّ» إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة ، وإذا أضيفت وحذف ضمير صدر الصلة بنيت. وقال الزّجّاج مستنكرا رأي سيبويه : ما تبيّن لي أنّ سيبويه غلط إلا في موضعين ، هذا أحدهما ، فإنّه يسلم أنّها تعرب إذا أفردت ، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت. ويقول الطبرسي في مجمع البيان : إنّ الصلة مثل المضاف إليه ، فكما أنّ المضاف إليه لمّا حذف بني المضاف ، فكذلك لمّا حذف العائد من الصلة إلى الموصول هنا بني (ح ٥ و ٦ ص ٨٨). ويذهب الكسائي ويونس إلى أنّ الفعل معمل في موضع (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) وكان أيّهم منقطعا من هذا الجملة ، وكانت جملة مستأنفة. وزعم بعض أنّ أيّا في الآية استفهاميّة ، وأنّها مبتدأ ، وأشدّ خبره ، ثمّ اختلفوا في مفعول نترع ، فقال الخليل محذوف ، والتقدير لنترعنّ الّذين ، وقال يونس : المفعول الجملة ، وقال الكسائي والأخفش : المفعول كلّ شيعة.
يبدو أنّه إذا قرئ «أيهم» بالنصب فهي بناء على أنّ أيّ معرب وهي كما قال سيبويه : لغة جيّدة. وابن مالك أيضا يشير إلى إعرابها ، حيث يقول :
وبعضهم أعرب مطلقا وفي |
|
ذا الحذف أيّا غير أيّ يقتفي |
(شرح ابن عقيل ١ / ١٦٣)
أي بعض النّحويّين أعرب «أيّا» مطلقا. وإذا قرئ (أَيُّهُمْ) بالضّمّ فالصحيح مذهب سيبويه ، ورأي سائر النحاة لا يناسب ترجمة الآية وتفسيرها ، لأنّ أيّ في موضع مفعول به.