درهم ، فإنّ الموصول والموصوف حينئذ كاسم الشرط والصلة والصفة كالشرط ، فالخبر كالجزاء الّذي تدخله الفاء ، وظاهر كلام جماعة أنّ دخول الفاء حينئذ واجب ، وصرّح ابن مالك في التسهيل بأنّه جائز ، ونصّ عليه الرضيّ ، فقال : كان حقّ الخبر أن يلزمه الفاء لكونه كالجزاء ، لكن لمّا لم يكن جزاء الشرط حقيقة جاز تجريده منها مع قصد السببيّة ، نحو : الّذي يأتيني له درهم ، انتهى.
فإن قلت : ما الّذى يشعر بالسببيّة المقصودة عند التجريد من الفاء؟ قلت : ترتّب الحكم على الوصف ، قاله الدمامينيّ في التحفة.
«و» الثاني : أن تكون «عاطفة» وقد تقدّم عدّها من حروف العطف «فتفيد التعقيب» ، وهو وقوع المعطوف عقب المعطوف (١) عليه من غير مهلة وتراخ ، لكنّه في كلّ شيء بحسبه ، تقول : تزوّج فلان فولد له ، إذا لم يكن بينهما إلا مدّة الحمل مع لحظة الوطئ ومقدمته ، ودخلت البصرة فالكوفة ، إذا لم تقم فى البصرة ولا بين البلدين.
واعترض بقوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى * فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) [الأعلى / ٥ و ٤] ، فإنّ إخراج المرعى لا يعقبه جعله غثاء أحوى ، أي يابسا أسود ، وأجيب بوجهين : أحدهما : أنّ جملة (فَجَعَلَهُ غُثاءً) معطوفة على جملة محذوفة ، والتقدير فمضت مدّة ، فجعله غثاء أحوى. الثاني : أنّ الفاء في ذلك نائب عن ثمّ كما جاء عكسه كقوله [من المتقارب] :
٩٧٨ ـ ... |
|
جرى فى الأنابيب ثمّ اضطرب (٢) |
أى فاضطرب ، قال بعضهم : والجواب الأوّل لا يدفع الاعتراض ، فإنّ مضىّ المدّة لا تعقب ما قبله.
«و» تفيد «الترتيب بنوعيه» الحقيقيّ والذكريّ. «فالحقيقىّ» هو وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه حقيقة في الوجود ، نحو : قام زيد فعمرو ، و (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ) [الإنفطار / ٧] ، «والذكريّ» هو وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب الذكر لفظا ، لا أنّ معنى الثاني وقع بعد زمان وقوع الأوّل ، وأكثر ما يكون ذلك في عطف مفصّل على مجمل هو في المعنى ، لأنّ موضع ذكر التفضيل بعد ذكر الإجمال «نحو» قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود / ٤٥] ، وقوله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ
__________________
(١) في «ح» عقب المعطوف محذوف.
(٢) صدره «كهزّ الردينىّ تحت العجاج» ، وهو لأبي دؤاد الإيادى ، أحد وصافي الخيل. اللغة : الردينى : نسبة إلى الردينة اسم امراة تصلح القناة. العجاج : الغبار ، الأنابيب : جمع الأنبوية : ما بين العقدتين في القصبة.