جَهْرَةً) [النساء / ١٥٣] ، ونحو : توضّأ فغسل وجهه ويديه ، ومسح رأسه ورجليه ، وتقول : أجبته ، فقلت : لبيك.
وكان المصنّف أشار باختيار الأية الأولى للتمثيل دون غيرها إلى عدم الاحتياج إلى ما ارتكبه الزمخشرىّ في الكشاف ، فإنّه قال : أريد بالنداء إرادة النداء ، ولو أريد النداء نفسه لجاء كما جاء قوله تعالى : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِ) [مريم / ٤ و ٣] بغير فاء ، فأشار المصنّف إلى أنّه لا داعي لما ادّعاه من جعل نادى بمعنى أراد النداء ، فإنّ هذا من قبيل عطف المفصّل على المجمل ، وقال صاحب الانتصاف (١) : ويجوز وجه آخر لطيف المأخذ رقيق الحاشية ، وهو أن يكون النداء على بابه ، لكنّ المعطوف عليه مجموع النداء وما بعده ، فليس من عطف الشيء على نفسه ، بل من عطف المجموع على أحد أجزائه ، وهما متغايران ، انتهى.
وقد تكون للترتيب الذكرى في غير ذلك كقوله تعالى : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [غافر / ٧٦] ، وقوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) [الزمر / ٧٤] ، فإنّ ذكر الشيء أو مدحه يصحّ بعد جري ذكره ، وأنكر الفرّاء إفادتها الترتيب مطلقا. قال غير واحد : وهذا مع قوله : إنّ الواو تفيد الترتيب غريب ، لكن قال العينيّ : وما نسب إلى الفرّاء من أنّ الواو تدلّ على الترتيب غير صحيح ، انتهى.
وسبقه إلى ذلك السيرافيّ ، وقال : ولم أر ذلك فى كتاب الفرّاء ، واحتجّ الفرّاء بقوله تعالى : (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) [الأعراف / ٤] ، إذ مجيئ البأس سابق على الإهلاك ، وأجيب بأنّ المعنى أردنا إهلاكها أو هو على القلب ، والأصل جاءها بأسنا فأهلكناها ، وجعلها الرضيّ من قبيل عطف المفصّل على المجمل ، فالفاء للترتيب الذكرى ، قال : لأنّ تبييت البأس تفصيل للإهلاك المجمل.
قال الجرميّ : لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الامطار بدليل قوله [من الطويل] :
٩٧٩ ـ ... |
|
بسقط اللّوى بين الدخول فحومل (٢) |
وقولهم : مطرنا مكان كذا فمكان كذا ، وإن كان وقوع المطر فيهما فى وقت واحد ، وقيل : الفاء هنا بمعنى إلى ، وذهب بعضهم إلى أنّ الفاء تقع تارة بمعنى ثمّ ، و
__________________
(١) الانتصاف فى مسائل الخلاف لأبى سعيد محمد بن يحيى النيسابوريّ المتوفّى سنة ٥٤٨ ه. كشف الظنون ، ١ / ١٧٤.
(٢) تقدّم برقم ٥٤٥.