لتراخي معطوفها ، والحقّ أنّها للسببيّة. قال ابن الحاجب : وفاء السببيّة لا تستلزم التعقيب بدليل صحّة قولك : إن يسلم زيد فهو يدخل الجنّة ، ومعلوم ما بينهما من المهلة ، والتحقيق أنّها مستلزمة للتعقيب (١).
وقد مرّ أنّ التعقيب في كلّ شيء بحسبه ، وهو بهذا المعنى متحقّق في الأية. نعم قد تأتي الفاء لمجرّد السببيّة والربط لا غير ، نحو : إن جئتني فأنا أكرمك ، وحينئذ لا يلزمها التعقيب. وقول بعضهم وعلى هذا يحمل قول ابن الحاجب : إنّ الفاء السببيّة لا تستلزم التعقيب منظور فيه ، فإنّه إنّما قال ذلك جوابا عن الأية حيث نقض بها قولهم : إنّ الفاء العاطفة للتعقيب من غير مهلة ، فأجاب بأنّ الفاء فيها للسببيّة ، وهى لا تستلزم التعقيب ، فكيف يصحّ حمل إطلاقه على ذلك ، فتدبّر.
وجعل صاحب البحر (٢) جملة : (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) معطوفة على جملة محذوفة قال : وإذا كان الاخضرار متأخّرا ، فثمّ جمل محذوفة ، أى فتهتزّ وتربو ، يبيّن ذلك قوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج / ٥] ، وفي حاشية الشمنيّ على المغني : الظاهر أن تصحّ على حقيقة ، فيكون الاخضرار في وقت الصباح من ليلة المطر ، ويحتمل أن يكون بمعنى تصير ، ولا يلزم ذلك ، والأوّل قول عكرمة (٣) ، وهو موجود في مكّة وتهامة ، وقال ابن عطية : وقد شاهدت في السوس الأقصى ، نزل المطر ليلا بعد قحط ، فأصبحت تلك الأرض الرملة الّتي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضيعف ، انتهى.
«وقد تختصّ» الفاء المذكورة «حينئذ» أى حين إذ أفادت ترتّب لاحقها على سابقها «باسم النتيجة والتفريع» ، فتسمّي فاء النتيجة وفاء التفريع ، ووجه التسمية ظاهر ، ولا يختصّ ذلك بالعاطفة ، بل فاء السببيّة مطلقا تسمّى بذلك ، إذ لا تلازم بين السببيّة والعطف.
وقد تكون سببيّة ، وهى غير عاطفة كما في الجزاء ، وقد تأتي العاطفة جملة أو صفة لمجرّد الترتيب نحو : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) [الذاريات / ٢٧ / ٢٦] ، (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) [ق / ٢٢] ، ونحو (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً* فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [الصافات / ٣ و ٢].
__________________
(١) مستلزمة للتحقيق «ح».
(٢) لعلّه الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن المنيرة المتوفّى سنة ٥٠٣ ، صاحب «بحر النحو» نقص فيه مسائل كثيرة على أصول النحاة. كشف الظنون ١ / ٢٢٧.
(٣) أبو عبد الله عكرمه بن عبد الله ، اجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن ، وهو أحد فقهاء مكّة وتابعيها ، وتوفّى سنة ١٠٧ ه. وفيات الأعيان ٣ / ٢٦٥.