قال الزمخشرىّ : للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال :
أحدها : أن تدلّ على ترتيب معانيها فى الوجود كقوله [من السريع] :
٩٨٤ ـ يا لهف زيّابة للحارث |
|
الصّابح فالغانم فالآئب (١) |
أي الّذي صبح ، فعنم ، فآب.
والثاني : أن تدلّ على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه ، نحو قولك : خذ الأكمل فالأفضل ، واعمل الأحسن فالأجمل.
الثالث : أن تدلّ على ترتيب موصوفاتها في ذلك ، نحو : رحم الله المحلّقين فالمقصّرين.
«وقد تنبئ» أي الفاء السببية «عن محذوف» ، وهو السبب لما بعدها «فتسمّى فصيحة عند بعض» ، أى بعض أهل العربيّة لإفصاحها عن ذلك المحذوف ، بحيث لو ذكر لم تكن بذلك الحسن مع حسن موقع ذوقيّ ، لا يمكن التعبير عنه نحو قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة / ٦٠] ، أى فضرب فانفجرت ، هكذا قدّره المصنّف في عين الحياة (٢) ، واقتصر عليه تبعا للسكاكيّ في المفتاح ، ثمّ قال : وحذف المعطوف عليه للدلالة على سرعة تحقّق الانفجار ، كأنّه حصل عقيب هذا الأمر ، وهذا التقدير هو الّذي يقتضيه سياق كلامه هنا أيضا ، وقدّره صاحب الكشّاف بتقديرين ، فقال : أى فضرب ، فانفجرت ، أو فإن ضرب فقد انفجرت. قال صاحب الكشف (٣) : ويرجّح الأوّل أنّه أقلّ تقديرا ، وأنّ الثاني يحتاج إلى إضمار قد ، وهو ضعيف ، انتهى.
وهل تسميتها فصيحة على التقدير الأوّل فحسب ، أو على الثاني فقط ، أو عليها معا ، ذهب إلى الأوّل جماعة ، قالوا : لأنّها على تقدير الشرط تكون جزائية لا فصيحة ، وعرّفوها بأنّها الفاء الّتي دلّت على محذوف غير شرط هو سبب لما بعد الفاء ، وهو ظاهر كلام صاحب المفتاح والمصنّف في عين الحياة ، وكلامه هنا كالصريح في ذلك ، إذ الضمير في قوله : وقد تنبئ عن محذوف عائد على الفاء السببيّة العاطفة لا مطلق السببيّة ، فتدبّر.
وكلام الزمخشرىّ في الكشّاف ظاهر في الثاني ، حيث قال : الفاء في فانفجرت متعلّق بمحذوف ، أي فضرب فانفجرت ، أو فإن ضرب فقد انفجرت ، كما قلنا في :
__________________
(١) هو لابن زيابة. اللغة : الصابح : المغير صباحا ، الغانم : آخذ الغنم والفئ ، آئب : راجع.
(٢) عين الحياة في التفسير من مؤلفات الشيخ البهائي.
(٣) لعلّه كشف المشكل في النحو لعلي بن سليمان اليمنىّ المتوفّى سنة ٥٩٩ ه ، أو كشف النقاب عن غيمة الإعراب لإبراهيم بن أحمد بن الملا الحلبي المتوفّى بعد سنة ١٠٣٠ ه ، كشف الظنون ٢ / ١٤٩٥ و ١٢١٠.