(فَتابَ عَلَيْكُمْ) [البقرة / ٥٤] ، وهى على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ ، قال الطيبىّ وغيره : هى على هذا فصيحة ، ظاهره أنّ الفاء على التقدير الثاني فصيحة ، ثمّ قال : ولا يبعد أن يقال : إنّ المراد من قوله على هذا أي على أنّها محتملة لهذين المعنيين ، انتهى.
والأكثرون على الثالث : وهو أنّ تسميتها فصيحة على التقديرين ، وهو الّذي حققّه العلّامة التفتازانيّ في شرح المفتاح ، قال : وجعلت فصيحة (١) على الوجهين لإفصاحها عن المحذوف أو وصفا لها بوصف صاحبها كالكتاب الحكيم ، أو لكونها فصيحة لما فيه من تقليل الحذف. وتوهّم بعضهم أنّ تسميتها فصيحة أنّما هو على التقدير الأوّل ، إذ على تقدير الشرط تكون جزائية لا فصيحة ، وذهب عليه أنّ كونها فصيحة بناء على إفادة المعنى البديع ، والوقوع بذلك موقع الحسن لا ينافى كونها جزائية في أصلها ، كما لا ينافي كونها عاطفة ، وأنّ المشهور فيما بينهم في الفاء الفصيحة ما يقع هذا الموقع من الجزاء ، حتّى جعلوا العلم فى ذلك قول الشاعر [من البسيط] :
٩٨٥ ـ قالوا خراسان أقضى ما يراد بنا |
|
ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا (٢) |
أى إن كان أقصى المراد بنا خراسان فقد جئناها ، فلو ادّعى أنّ الفصيحة إنّما هي هذه لم يبعد ، انتهى.
ولا يلزم تقدير إن مع الشرط المحذوف ، بل يجوز تقدير إذا الشرطية أيضا ، بل هو الغائب ، تقول : زيد فاضل فأكرمه ، أي إذا كان كذا فأكرمه ، وفي التتريل : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قالَ فَاخْرُجْ) [ص / ٧٧ و ٧٦] ، أي إذا كان عندك هذا الكبر (فَاخْرُجْ ، قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) [ص / ٧٩] ، أي إذا كنت لعنتني فانظرني ، و: (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [ص / ٨٠] ، أى إذا اخترت الدنيا على الآخرة : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [ص / ٨٢] ، أى إذا أعطيتني هذا المراد فبعزّتك لأغوينهم ، ومثله كثير في القرآن المجيد وغيره.
تنبيه : قد تكون فاء السببيّة بمعنى اللام السببيّة كقوله تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [ص / ٧٧] ، وتقول : أكرم زيدا فإنّه فاضل ، وهذا تدخل على ما هو الشرط في المعنى ، كما أنّ الفصيحة دخلت على ما هو الجزاء في المعنى في نحو : زيد فاضل فأكرمه ، إذ المعنى كما مرّ : إذا كان كذا فأكرمه ، وتعكسه هنا فتقول : أكرم زيدا فإنّه فاضل.
__________________
(١) من أن تسميتها حتّى هنا فى «ح» سقط.
(٢) هو للعباس بن الأحنف. اللغة : القفول : الرجوع.