حسبك ، فأضمرت ، ولم تنوّن ، انتهى. تقول في الابتداء : قبضت عشرة فحسب ، أي فحسبى ذلك ، فالمعنى في ذلك كلّه رأيت رجلا لا غير ، ورأيت زيدا لا غير ، وقضبت عشرة لا غير ، قاله في التوضيح وشرحه.
الثاني : توافق قد حسب في المعنى ، وفي الاستعمال مبتدأ ، والإضافة إلى الضمير والظاهر كما رأيت ، وتخالفها في أنّها مبنيّة غالبا ، وفي أنّ نون الوقاية تلحقها ، وفي أنّ الباء والناسخ لا يدخلان عليها فيما يظهر ، قال ابن هشام : ولم أر أحدا ذكر ذلك ، قال : وأمّا أنّها تقطع عن الإضافة فعندي فيه نظر.
و [الوجه] الثاني : أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي ، وهو مبنيّة على السكون ، وتلزمها نون الوقاية عند الإضافة إلى ياء المتكلّم ، نحو : قدنى درهم ، أي يكفيني درهم ، قد زيدا درهم ، أي يكفي زيدا درهم ، وقوله [من الوافر] :
٩٩١ ـ قدني من نصر الخبيبين قدى |
|
... (١) |
تحمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء ، وأن تكون اسم فعل ، وأمّا الثانية فتحتمل الأوّل (٢) ، وهو واضح ، والثاني على أن تكون النون حذفت للضرورة ، كقوله [من الرجز] :
٩٩٢ ـ ... |
|
إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٣) |
ويحتمل أنّه اسم فعل لم يذكر مفعوله ، فالياء للإطلاق ، والكسرة للساكنين.
تنبيه : جعل المصنّف قد بمعنى يكفي تبع فيه ابن هشام في المغني. قال شارحه : لا أدري لم جعلها بمعنى المضارع مع أنّ في مجيء اسم الفعل بمعناه كلاما ، وابن الحاجب يأباه ، وقد صرّح ابن أمّ قاسم أنّها بمعنى كفى ، انتهى.
قلت : جعل اسم الفعل بمعنى المضارع وعدمه يبتني على الخلاف في سبب بنائه ، فمن قال هو مشابهته الأمر أو الماضي في المعنى كما ذهب إليه ابن الحاجب لا يجيز جعله بمعنى المضارع ، لأنّه لو كان بمعناه أعرب ، ومن قال : هو مشابهته الحرف بلزوم النيابة عن الفعل وعدم مصاحبته العوامل ، كما ذهب إليه ابن مالك أجاز كونه بمعنى المضارع ، كما فسّروا أوّه وأفّ بمعنى أتضجّر وأتوجّع دون تضجّرت وتوجّعت ، ولعلّ ابن هشام إنّما جعل قد بمعنى يكفى إشارة إلى الرّدّ على من أنكر مجيء اسم الفعل
__________________
(١) بعده «ليس الإمام بالشيح الملحد» ، وهو لحميد بن مالك الأرقط ، أحد شعراء عصر بني أمية. اللغة : أراد بالخبيبين عبد الله بن الزبير ـ وكنيته أبو خبيب ـ ومصعبا أخاه ، قدني : حسبي وكفاني ، الشحيح : البخيل الدني ، الملحد : الجائر المائل عن الحق.
(٢) أي أن تكون مرادفة لحسب ، ولكن على لغة الإعراب لا البناء.
(٣) تقدم برقم ٣٩٠ و ٤٧٠.